فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما
  على السقوط بالإرادة(١) المختصة بذوات الأنفس، وقوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}[مريم: ٤]، {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ}[الإسراء: ٢٤]، {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ(٢)}[الفتح: ١٠]، {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ}[المائدة: ٦٤]، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ٥}[طه]، {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ}[آل عمران: ١٠٧]، {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى}[البقرة: ٥]،
(قوله): «فيه تشبيه الإشراف على السقوط» عبارة السعد: وإرادة الجدار استعارة لإشرافه على السقوط. إذ مجرد التشبيه ليس من المجاز، ولو قال المؤلف: فيه تشبيه الإشراف على السقوط فيكون استعارة لكان أقرب وكأنه أراد ذلك. وعبارة شرح المختصر: شبه إشرافه على السقوط بالإرادة المختصة بذوات الأنفس، وفيه استعارة.
(قوله): «واشتعل الرأس شيباً ... إلخ» اشتعال الرأس شيباً استعارة لانتشار بياض الشيب في سواد الشباب، وجناح الذل استعارة بالكناية، جعل الذل والتواضع بمنزلة طائر فأثبت له الجناح تخييلاً.
(قوله): «يد الله فوق أيديهم» لم يذكره في شرح المختصر، وفي الكشاف: يريد أن يد رسول الله ÷ التي تعلو أيدي المبايعين هي يد الله تعالى، والله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام، وإنما المعنى تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله تعالى من غير تفاوت بينهما.
(قوله): «كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله» الإيقاد مجاز عن تهييج الفتن وأسباب الحروب، أو النار استعارة لأسباب الحروب والإيقاد ترشيح، أو الكلام تمثيل، كذا في حواشي السعد.
وأما قوله: الرحمن على العرش استوى، فهو كناية لا مجاز كما اختاره في الكشاف حيث قال: لما كان الاستواء على العرش - وهو سرير الملك - مما يردف الملك جعلوه كناية عن الملك فقالوا: استوى فلان على العرش، يريدون ملك وإن لم يقعد على السرير البتة، وقالوه أيضاً لشهرته في ذلك المعنى ومساواته ملك في مؤداه. انتهى، فلذا لم يذكره في شرح المختصر، اللهم إلا أن يكون الكلام في المجاز والكناية واحداً، لكن ذلك خلاف عبارتهم.
(قوله): «ففي رحمة الله» أي: في الجنة، وسيأتي بيان المجاز فيها في بحث العلاقات.
(قوله): «أولئك على هدى» قال في الكشاف: ومعنى الاستعلاء في قوله: «على هدى» مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به، شبهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه. قال الشريف ما حاصله: يحتمل وجوهاً ثلاثة: الأول: الاستعارة التبعية؛ بأن يشبه تمسك المتقين بالهدى باستعلاء الراكب على مركوبه في التمكن والاستقرار فاستعير له الحرف الموضوع للاستعلاء. الثاني: أن تشبه هيئة منتزعة من المتقي والهدى وتمسكه به بالهيئة المنتزعة من الراكب والمركوب واعتلائه عليه، فيكون هناك استعارة تمثيلية مركب كل واحد من طرفيها، إلا أنه لم يصرح من اللفظ الذي هو بإزاء المشبه به إلا بكلمة على، فإن مدلولها هو العمدة في تلك الهيئة، وما عداه تبع له يلاحظ معه في ضمن ألفاظ منوية وإن لم تكن مقدرة في نظم الكلام، فليس حينئذ في على استعارة أصلاً، بل هي على حالها قبل الاستعارة كما إذا صرح بتلك الألفاظ كلها. الثالث: أن يشبه الهدى بالمركوب على طريقة الاستعارة بالكناية وتجعل على قرينة لها على عكس الأول، والكلام مستوفى في حواشي الكشاف.
(١) للمبالغة. (أبو السعود).
(٢) مجاز مرسل من إطلاق اسم السبب وهو اليد على المسبب وهو القدرة[١] وذلك نحو: للأمير يد، أي: قدرة وهي مسببة عن اليد لحصولها بها.
[١] وفيه نظر؛ لظهور قلة جدوى قولنا: قدرة الله فوق أيديهم، وعدم مناسبته للمقام، فالحق ما ذكره في الكشاف من أنه يريد أن يد رسول الله ... إلخ. (حاشية سيلان).