فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما
  وغيرها مما بلغت في الكثرة حداً يفيد العلم بوجوده.
  ولا يفيدهم التمحل في صور معدودة إن أمكن، كقولهم في {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}[يوسف: ٨٣]: إنه حقيقة وإنها تجيب يعقوب #، وإن الجدار خلقت فيه الإرادة(١).
  قالوا أولاً: المجاز كذب؛ لأنه ينفى فيصدق نفيه، فلا يصدق هو، وإلا صدق النفي والإثبات معاً، والكذب لا يقع في الكتاب والسنة إجماعاً(٢).
  قلنا: إنما يستلزم صدق النفي كذب الإثبات لو تواردا على معنى واحد، وهذا ليس كذلك؛ لأن المنفي هو المعنى الحقيقي، والمثبت هو المعنى المجازي، وهذا ما أراده بقوله: (وصدق نفيه) أي: اللفظ المجازي باعتبار معناه الحقيقي (لا يقتضي كذبه) باعتبار معناه المجازي (لاختلاف المعنيين، فيقع في الكتاب والسنة) ولا محذور.
  قالوا ثانياً وهو لمن ينفيه في الكتاب خاصة: يلزم من وجود المجاز في القرآن
(قوله): «خلقت فيه الإرادة[١]» قال في شرح المختصر وحواشيه: وهو ضعيف[٢]؛ لأن جواب الجدرات غير واقع على وفق الاختيار في عموم الأوقات، بل إن وقع فإنما يقع بتقدير تحدي النبي # به، ولم يكن كذلك فيما نحن فيه، وأما خلق الإرادة في الجدار فليس مما تجري فيه العادة فلا يقع إلا بالتحدي أيضاً.
(١) وهو بعيد؛ لأنه وإن أمكن لا سيما زمن النبوة إلا أنه إنما يقع معجزة أو كرامة، وهو بالنسبة إلى التجوز قليل، والعدول عن الشائع إلى القليل - إلا عندما يقوم عليه دليل - عليل، مع أن وصف القرية بالتي كنا فيها دليل إرادة أهلها، وإلا فدلالة الصدق في كلام جميع الجمادات حاصلة. (فصول البدائع).
(٢) «إجماعاً» ساقطة من المطبوع.
[١] تأمل في كلام شارح المختصر وحاشيته؛ لأن القاضي خلط الكلام في هذه القوله، فتأمل. (ح عن خط شيخه).
[٢] أي: قول المنكرين إن سؤال القرية حقيقة وإنها تجيب وإن الجدار خلقت فيه الإرادة.