هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما

صفحة 467 - الجزء 1

  عدم صدق حد المجاز عليها، أما فيما فيه حذف فظاهر، وأما اللام في: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ}⁣[المائدة: ٢٣] فهي مثلها في: ادخل السوق⁣(⁣١)، ولم يقل أحد بمجازيتها، وكذلك «نفس» في: {عَلِمَتْ نَفْسٌ}⁣[التكوير: ١٤]، لم يستعمل إلا فيما


(قوله): «عدم صدق حد المجاز عليها» إذ هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، ولا استعمال هنا للفظ إلا فيما وضع له، وقد صرح بذلك البيانيون في الحذف والزيادة، وجعلوا إطلاق المجاز عليهما⁣[⁣١] من قبيل الاشتراك أو المجاز، وذلك مستوفى في موضعه. فإن قيل: السياق يقتضي أن يقول المؤلف #: عدم صدق حد العلاقة، فما وجه العدول إلى قوله: عدم صدق حد المجاز؟ وأيضاً لم يسقط الشيخ العلامة في شرح الفصول إلا الحذف والزيادة لا غيرهما وأسقطهما عن صدق حد العلاقة والمجاز عليهما لا عن صدق حد المجاز فقط كما ذكره المؤلف #، فيمكن أن يقال: ذلك لما في العبارة الأخرى - أعني عدم صدق حد العلاقة عليهما - من الإيهام. وبيانه: أنك قد عرفت أن المجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة، فلو ذكر المؤلف # العبارة الأخرى لأوهم أن سقوط هذه السبعة لانتفاء القيد الأول، أعني اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، وليس كذلك، بل ذلك لانتفاء القيدين جميعاً فعدل إلى ما يفيد انتفاءهما. أما انتفاء اللفظ المستعمل فظاهر لما عرفت، وأما انتفاء العلاقة فلأن هذه السبعة إذا لم يصدق على ما هي فيه حد المجاز لم يصدق حد العلاقة؛ إذ هي كما عرفت معنى يصل المعنى المجازي بالموضوع له، ولا إيصال فيها لمعنى مجازي على ما ذكره المؤلف لكونها عنده حقائق، والله أعلم.

(قوله): «عليها» أي: على ما هي فيه⁣[⁣٢]؛ ولذا قال #: أما ما فيه حذف ... إلخ.

(قوله): «فهي مثلها في ادخل السوق ولم يقل أحد بمجازيتها» إذ اللام للماهية لا بشرط شيء، واستعمال الأعم في الأخص لا بخصوصه حقيقة، لكن سيأتي للمؤلف في بحث العموم أن لام العهد الذهني تتوقف على القرينة، وأن اللام حقيقة في الاستغراق، وهو مقتضى كلام الأصوليين كما يأتي. وفي الفوائد الغياثية أن لام العهد الذهني مجاز، لكنه جعل لام الماهية حقيقة، وهو خلاف مقتضى كلامهم أيضاً حيث قال: اللام للتعريف⁣[⁣٣]، والحقيقة يفيدها جوهر اللفظ [والاستغراق] والعهد خارجاً وذهناً عارض، فيحتاج فيهما إلى قرينة صارفة عن إرادة الحقيقة والمجاز خير من الاشتراك. انتهى، فينظر في هذا المقام، والله أعلم.

(قوله): «وكذلك نفس في علمت نفس ... إلخ» أي: في عدم صدق حد المجاز عليها، قد يتوهم الاعتراض على المؤلف # بأن حد المجاز صادق عليها؛ لأنها لفظ مستعمل في غير ما وضعت له؛ لأن المراد بها العموم كما سبق للمؤلف #، ولا يخفى سقوط هذا الاعتراض؛ لأن المذكور سابقاً مبني على أن استفادة العموم من مجرد لفظ النكرة، والمذكور هاهنا مبني على أن العموم إنما استفيد من جملة الكلام مع بقاء النكرة على ما وضعت له من عدم العموم كما هو المعروف في مفردات المجاز في التركيب؛ ولذا قال: ومجازية جملة الكلام ... إلخ، وكلام المؤلف # هاهنا في التحقيق منع لما سبق.


(١) قال العضد في الفوائد الغياثية ما لفظه: تنبيه: اللام للتعريف، والحقيقة يفيدها جوهر اللفظ، والتعميم والتخصيص عارضان، فيحتاج فيهما إلى قرينة. اهـ قال في شرحها: المراد بالتعريف الإشارة إلى تعيين ما دخلت عليه، والتعميم الاستغراق، والتخصيص أي: العهد خارجاً أو ذهناً، والقرينة صارفة عن إرادة الحقيقة. والمجاز خير من الاشتراك، فالمعرف باللام يكون مجازاً فيهما؛ ولذا حمل صاحب الكشاف التعريف في الحمد على الجنس.


[١] أي على ما قاما به. (ح عن خط شيخه).

[٢] هذا فيما عدى الثالث والرابع، وأما فيهما فلا يحتاج إلى هذا التأويل، والله أعلم. (ح عن خط شيخه).

[٣] المراد بالتعريف الإشارة إلى تعيين ما دخلت عليه. (ح عن خط شيخه).