فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما
  وضع له، ومجازية جملة الكلام - كما أشار إليه في الكشاف(١) - لا توجب مجازية المفردات كما صرح به علماء البيان، وأما: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١] فالكاف فيه مستعمل في معناه أيضاً، والمشهور في توجيهه أن الكلام وارد على
(قوله): «كما أشار إليه في الكشاف» حيث جعله من عكس الكلام[١] الذي يقصد به الإفراط فيما يعكس عنه، كما في قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ٢}[الحجر]، ومعناه معنى كم وأبلغ منه. وتقول لبعض القواد: كم عندك من الفرسان؟ فيقول: رب فارس عندي، أو لا تعدم عندي فارساً، وعنده المقانب، وقصده بذلك التمادي في تكثير فرسانه، ولكنه أراد إظهار براءته من التزيد وأنه يقلل كثير ما عنده فضلاً أن يتزيد، فجاء بلفظ التقليل ففهم منه معنى الكثرة على الصحة واليقين.
(قوله): «كما صرح به علماء البيان» يعني في المجاز المركب.
(قوله): «فالكاف فيه مستعمل في معناه أيضاً» يعني حقيقة كما هو مقتضى العبارة، لا يقال: فينافي توجيهه بطريق الكناية؛ لأنا نقول: الكناية إنما هي في جملة الكلام لا في لفظ الكاف؛ ولذا قال المؤلف #: إن الكلام وارد على طريق الكناية، فإن انتفاء ... إلخ. قال السيد المحقق: وهذا هو المشهور، يعني في بيان الكناية، وكأنه يشير إلى أن في تقريرها وجهاً آخر بجعله من باب مثلك لا يبخل بمعنى أنت لا تبخل من غير أن يراد إنسان آخر مماثل للمخاطب، والكلام في ذلك مستوفى في موضعه، وقد ذكر في شرح المختصر وجهاً آخر ذكر الشريف أنه وجه في الكناية أبلغ، واختاره في الجواهر، لكن ظاهر كلامه أنه وجه مستقل في الآية، ولفظ شرح المختصر: ولا يبعد أن يقصد نفي من يشبه أن يكون مثلاً فضلاً عن المثل حقيقة. وبينه في الجواهر بأن نفي من يشبه المثل مستلزم لنفي المثل؛ لأن من يشبه مثل زيد مشابهته لزيد أقل من مشابهة المثل له بناء على قاعدة التشبيه من أن المشبه به أقوى، ويلزم من نفي من يشبه المثل نفي المثل؛ لأن نفي الأدنى مستلزم لنفي الأعلى، كما تقول: لا يوجد من يماثل زيداً في أدنى فضائله فإنه يلزم بالضرورة أن لا يوجد من يماثله في جميع فضائله، وهو المثل الحقيقي؛ لأن التماثل الحقيقي هو الاشتراك في جميع الصفات النفسية على ما بين في الكتب الكلامية، قال: فعلى هذا يجب أن تحمل هذه الآية على هذا المعنى الحقيقي مع عدم لزوم شيء من المحذورات، هكذا يجب أن يحقق هذا الموضع انتهى.
(١) في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ١٤}[التكوير]، قال: فإن قلت: كل نفس تعلم ما أحضرت[٢] كقوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا}[آل عمران: ٣٠]، لا نفس واحدة، [فما معنى «علمت نفس»؟[٣]] قلت: هو من عكس كلامهم ... إلخ ما نقله سيلان.
[١] ينظر في هذا البحث ما معناه. (منقولة). المعنى بأن لفظ الذي مدلوله الفرد كان مدلوله مع جملة الكلام كل فرد، بل أبلغ، كما استعمل ما هو للتقليل - أعني رب - لما هو كثير وفوق، والله أعلم. (ع ح).
[٢] في المطبوع: فإن قلت: علمت نفس ما أحضرت كقوله. والمثبت من الكشاف.
[٣] ما بين المعقوفين من الكشاف.