فصل: في تعريف الحقيقة والمجاز وبيان أقسامهما وأحكامهما
  طريق الكناية؛ فإن انتفاء مثل المثل مستلزم لانتفاء المثل عرفاً؛ لأن الشيء إذا لم يكن له لجلالته ما يماثل مثله فبالطريق الأولى أن لا يكون له ما يماثله، فأطلق الملزوم وأريد اللازم مبالغة في نفي الشبيه.
  ووجه آخر: وهو أن الكلام مسوق لنفي المثل بطريق برهاني؛ لأن ذاته تعالى وتقدس أمر مسلّم لا ينكره أحد يصلح أن يكون مخاطباً، إنما الشأن في نفي المثل وإثباته، فإذا نفى مثل المثل فَصِدْق نفيه(١) إما بانتفاء المثل فإنه إذا انتفى المثل انتفى مثله قطعاً، وإما بثبوته وانتفاء مثله، لكن الثاني(٢) باطل؛ لأنه لو تحقق المثلية لتحقق مثل المثل قطعاً؛ لأن الذات متحققة وهي مثل المثل، فيلزم التناقض، وهو انتفاء مثل المثل وثبوته، فتعين الأول، وهو انتفاء المثل، وهو المطلوب(٣).
(قوله): «بطريق برهاني» أي: لا بطريق الكناية، أعني إطلاق الملزوم وإرادة اللازم، بل بطريق الاستدلال على نفي المثل بلزوم التناقض على تقدير ثبوته ونفي مثل المثل كما أشار إليه المؤلف # بقوله: فيلزم التناقض؛ ولذا جعل المؤلف # حاصله الاستدلال بنفي اللازم على نفي الملزوم، والكناية ليست كذلك.
(قوله): «لأن ذاته تعالى وتقدس أمر مسلم ... إلخ» هكذا ذكره الشريف، وإنما احتاج إلى هذه المقدمة ليتم ما يأتي من قوله: لأنه لو تحقق المثل لتحقق مثل المثل قطعاً؛ لأن الذات متحققة ... إلخ، وذلك لأن الاستدلال لو كان مع المنكر له تعالى وتقدس لم ينتهض عليه ذلك فلا تناقض عنده؛ لأنه يلتزم انتفاء مثل المثل لا ثبوته.
(قوله): «يصلح أن يكون مخاطباً» حتى المشركين فإنهم مقرون به تعالى وتقدس، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزخرف: ٨٧].
(قوله): «فصدق نفيه» أي: نفي مثل المثل.
(قوله): «فإنه إذا انتفى المثل» أي: مثل ذاته تعالى.
(قوله): «انتفى مثله» أي: مثل المثل قطعاً فإنه تعالى إذا لم يتصف بأن له مثلاً لم يتصف بأن لمثله مثلاً.
(قوله): «وإما بثبوته» أي: مثل ذاته تعالى.
(قوله): «وانتفاء مثله» أي: مثل المثل.
(قوله): «لكن الثاني» وهو ثبوت مثل المثل[١] باطل.
(١) وقد يقال: هذه قضية سالبة، والسالبة تصدق بانتفاء الذوات وانتفاء النسبة، فإذا قلنا: ليس زيد في الدار فيصدق ذلك بانتفائه أو انتفاء الدار أو انتفاء حصوله، فكذلك في الآية الكريمة. (أسنوي).
(٢) وهو ثبوت المثل وانتفاء مثل المثل. (ع).
(٣) قيل: الحكم بعدم زيادتها يستلزم نفي ذاته تعالى؛ لأنه مثل لمثله وإن لم يكن موجوداً؛ إذ القضية غير الموجبة لا تستدعي وجود متعلق المحمول، فالوجه أن الكاف زائدة. (حاشية الشيخ لطف الله |).
[١] أظن العبارة هكذا: وهو ثبوت المثل وانتفاء مثل المثل. (منقولة ح).