هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[ذكر سبب التأليف]

صفحة 53 - الجزء 1

  وقيل: الحمد⁣(⁣١) كالمدح، ومثال اللؤلؤة مصنوع⁣(⁣٢)، والوصف بصباحة الخد ورشاقة القد. قيل: هو خطأ من الجمهور، وقيل: مؤول بدلالته على الأفعال الجميلة؛ لأنهما علامة اعتدال المزاج، وهو يدل على الأفعال الجميلة. ولا يخفى ما فيهما.


(قوله): «وقيل: الحمد كالمدح» إشارة إلى ما ذكره صاحب الكشاف، قال السيد في حاشيته عند قوله: «والحمد والمدح أخوان» ما لفظه: أي: مترادفان، يدل على ذلك أنَّه قال في الفائق: الحمد هو المدح، وهو الوصف بالجميل. وأَنَّه قد جعل هاهنا نقيض المدح - أعني الذم - نقيضاً للحمد.

لا يقال: نقيض المدح الهجو لا الذم؛ لأنا نقول: المدح يطلق على الثناء الخاص، أي: الوصف بالجميل، ويقابله الذم. وقد يخص بعد المآثر، ويقابله حينئذ الهجو، أي: عد المثالب. والكلام في المعنى الأول. وبأن صاحب الكشاف صرح في تفسير قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ}⁣[الحجرات: ٧] بأن المدح لا يكون بفعل الغير، وتأول المدح⁣[⁣١] بالجمال وحسن الوجه، فالمدح عنده مخصوص بالاختياري، وإنما ترك قيد الاختياري في تفسير الحمد إما اعتماداً على الأمثلة فإنها اختيارية، وإما أنه أريد بالجميل الفعل الجميل، وهو بالاختيار.

وقال السعد: بل أراد أنهما أخوان في الاشتقاق الكبير⁣[⁣٢] أو الأكبر؛ لأن الشائع في كتب المصنف استعمال الأخوة فيما بين لفظين يتلاقيان في الاشتقاق.

(قوله): «ومثال اللؤلؤة مصنوع» يعني قولهم: «مدحتها على صفائها» مصنوع ليس بعربي عند هذا القائل؛ إذ المدح عنده كالحمد في أنه لا يكون إلا على الفعل الاختياري.

(قوله): «والوصف بصباحة الخد ... إلخ» يعني أنه يرد على هذا القائل الوصف بما ذكر، فإن هذا الوصف لا بد أن يكون مدحاً أو حمداً؛ لأنه بلا شك ليس بذم، وهو ليس بحمد اتفاقاً؛ لاشتراط الجمهور وهذا القائل كون المحمود عليه اختيارياً، فتعين أن يكون مدحاً عند هذا القائل، وهو المطلوب؛ لأن الممدوح عليه ليس اختيارياً، فتغاير المدح والحمد حينئذ. فأجاب هذا القائل بأن الوصف بذلك خطأ من الجمهور، أو مؤول بأن صباحة الخد ورشاقة القد تدلان على الأفعال الاختيارية الجميلة، فالمدح على تلك الأفعال الاختيارية في التحقيق. وقول المؤلف: «وهو يدل على الأفعال الجميلة» أي: الاختيارية، وترك التقييد بذلك لأن الفعل الجميل ينبي عن الاختيار كما ذكره الشريف.

(قوله): «ولا يخفى ما فيهما» أَمَّا مثال اللؤلؤة فلا يشك أحد أنها توصف بصفائها، وهو إما مدح أو حمد؛ إذ ليس بذم، فلو لم يكن مدحاً كما ذكرتم لم يكن حمداً أيضاً؛ لترادفهما عندكم. ولعله يتم هذا الجواب من غير توقف على أن يسمع مدحتها على صفائها حتى لايرد الاعتراض عليه بأنه مصنوع. وأَمَّا تخطئة الجمهور فلأنها لغير دليل؛ ولذا قال في حواشي الكشاف: المدح بمثل وجه حسن وسحر حسن شائع ذائع في اللغة =


(١) في المخطوطات الثلاث: وقيل: المدح كالحمد.

(٢) وقد أجيب عن مثال اللؤلؤة بأنه من قبيل وصف الشيء بشيء، ولا يلزم منه أن يكون مدحاً أو ذماً كما نقول: رجل جالس في بيته، أشار إليه في حاشية الشريف على شرح المطالع.


[١] قوله: «وتأول المدح ... إلخ»: أي: صاحب الكشاف بما يأتي قريباً في كلام المؤلف #. اهـ منه

[٢] قوله: «في الاشتقاق الكبير» بأن يشتركا في الحروف الأصول من غير ترتيب، كالحمد والمدح، والجذب والجبذ. وقوله: «أو الأكبر» بأن يشتركا في أكثر الحروف فقط، كالفلق والفلج والفلذ، مع اتحاد في المعنى وتناسب.