فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  تعلق الوجوب به أيضاً، وإن تعلق بكل واحد كان الوجوب أيضاً كذلك، فنقول: (إن أريد) بالأمر بالمبهم (تعلقه به ظاهراً) أي: من غير نظر إلى متعلقه الحقيقي ماذا هو (فغير النزاع) إذ لا نزاع لنا في جواز تعلق الأمر به ظاهراً، وهو الذي وقع الجزم به (أو أريد) بالأمر بالمبهم تعلقه به (حقيقة(١) فعينه) أي: عين النزاع، وهو مصادرة على المطلوب.
  على أن الجزم بجواز تعلق الأمر بالمبهم حقيقة يتوقف على إمكان المبهم في نفسه(٢) ووجوده في الخارج، وإلا كان تكليفاً بالمحال(٣)، وهذا معنى قوله:
= تفرعه عليه[١]؛ لعدم لزومه لما قبله، إنما المناسب له أن يقول: فإن تعلق بالواحد المبهم ظاهراً تعلق الوجوب به ظاهراً، وإن تعلق به حقيقة تعلق الوجوب به كذلك، لكن هذا وإن ناسب السياق فهو بمعزل عن المقصود بالجواب كما لا يخفى. فلو اقتصر المؤلف # على قوله: والجواب إن أريد ... إلخ وترك هذا المنقول عن الشريف لكان أولى؛ لأن الشريف إنما أورده دفعاً لكلام السعد حيث ذكر أنه لا نزاع في أن الأمر بواحد مبهم مستقيم، إنما النزاع في أنه ماذا يجب حينئذ، فأجاب الشريف بما نقله المؤلف من تلازم تعلق الأمر وتعلق الوجوب، وكلام الشريف مستقيم في موضعه فتأمل.
(قوله): «تعلقه به ظاهراً» أي: تعلق الأمر بالواحد المبهم في الظاهر، والمراد في الحقيقة طلب مفرداته وتحصيلها.
(قوله): «وهو مصادرة على المطلوب» المصادرة على المطلوب على أربعة أوجه: أحدها: أن يكون المدعى عين الدليل. والثاني: أن يكون المدعى جزءاً من الدليل. والثالث: أن يكون المدعى موقوفاً عليه صحة الدليل. والرابع: أن يكون المدعى موقوفاً عليه صحة جزء الدليل.
(١) يعني في الواقع ونفس الأمر لا بحسب ظاهر المفهوم.
(٢) وهو ماهية المبهم الذي هو الأمر الكلي.
(*) وقد استشعر هذا الشارح العلامة وقال: فإن قيل: الواحد الجنسي - وهو الواحد بما هو واحد - إنما يتصور وجوده في الأذهان لا في الأعيان، فيستحيل طلبه. قلنا: يستحيل طلبه دون الأفراد، لا في ضمنها؛ لجواز طلب المشترك في ضمن الأفراد، وأجاب في المنتهى بأن المطلوب هو الواحد الوجودي الجزئي باعتبار مطابقته للحقيقة الذهنية لا باعتبار ما كان به جزئياً، ورده العلامة بأنه ينافي كون الواجب هو المشترك. (من حاشية السعد على المختصر).
(٣) قال صاحب فصول البدائع ما لفظه: للمعتزلة أن التكليف بغير المعين تكليف بالمجهولِ، وعلم المكلف بالمكلف به ضروري، وبالمحالِ؛ لأن غير المعين يستحيل وقوعه، فكل واقع معين، ولا قائل بأنه هو. قلنا: مفهومه معلوم، والإبهام في ذاته كما مر. اهـ المراد.
[١] كلام ابن الإمام في غاية الوضوح، والتفريع ظاهر، ولم يفهم مقصد المحشي فيتأمل إن شاء الله تعالى. (ح عن خط شيخه). وفي حاشية: يقال: لعل المراد استيفاء قسمي التعلق بالجميع أو بالواحد المبهم، فالأول هو المختار لا يحتاج إلى إبطاله، إنما يحتاج إلى إبطال ما شمله دليلهم، وهو الثاني، فأجاب عن ذلك بقوله: فنقول: إن أريد ... إلخ كما لا يخفى والله أعلم. (سيدي حسن الكبسي، من خط العلامة أحمد بن محمد).