فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  والجواب(١): أنا لا نسلم أن التأخير ترك للواجب مطلقاً، إنما يكون تركاً لو أخره عن وقته المضروب، ولو سلم فلا نسلم أنه لو لم يكن إلى بدل خرج عن كونه واجباً(٢)، وقولك: الواجب ما يستحق تاركه الذم والعقاب ليس على إطلاقه، بل بوجه من الوجوه كما تقدم(٣).
  (و) أما (القول بوجوب العزم الخاص إن أخر) فمما (لا دليل عليه) كما قال المنصور بالله # في صفوة الاختيار: لا دليل على وجوب العزم المخصوص الذي ذكروه، وإنما يجب العزم على وجه الجملة على أداء الواجبات(٤) وترك المقبحات.
(قوله): «بل بوجه من الوجوه» فتأخير الموسع عن أول الوقت وإن لم يأثم بتركه فيه فهو يأثم بتركه بوجه من الوجوه، وهو تأخيره عن وقته المضروب له. إذا عرفت هذا اندفع ما يقال: قد تقدم في تعريف الواجب أن قيد «بوجه ما» لا يحتاج إليه بالنظر إلى الواجب الموسع. ووجه اندفاعه أن عدم الاحتياج إليه بناء على الجواب الأول، وهو أن تركه إنما يتحقق بتركه في جميع الوقت، وأما على فرض تسليم أنه يتحقق تركه بعدم فعله في أول الوقت فهو محتاج إليه على هذا التسليم[١] فتأمل.
(قوله): «على وجه الجملة ... إلخ» وأيضاً لو كان العزم بدلاً لتأدى الواجب به، وليس كذلك، ذكره في شرح الفصول[٢].
(١) عبارة الشيخ لطف الله في شرح الفصول: وأما الجواب عن قولهم: لخرج عن كونه واجباً ... إلخ فهو أنه يستحق الذم والعقاب على تركه في الجملة، أعني إذا ترك فيه وفي سائر الأوقات بعده، وقد عرفت أن الواجب هو ما يستحق الذم على تركه بوجه من الوجوه.
(٢) وأيضاً فإن العزم لا يصلح أن يكون بدلاً عن الفعل؛ لأنه لو صلح بدلاً لتأدى الواجب به؛ لأن بدل الشيء يقوم مقامه، وإذا لم يصلح للبدلية فقد لزم جواز ترك الواجب بلا بدل. (نهاية).
(٣) وأما الجواب عن القياس على الواجبات العقلية فلعل القائلين بعدم وجوب العزم المذكور لا يسلمون وجوب العزم المذكور على كل من المذكورات بخصوصه. (شيخ لطف الله). ينظر. (لي).
(٤) قال العضد: إن العزم على فعل كل واجب إجمالاً وتفصيلاً عند تذكره هو من أحكام الإيمان يثبت مع ثبوته سواء دخل وقته أو لم يدخل، فلو جوز ترك واجب بعد عشرين سنة لأثم وإن لم يدخل الوقت ولم يجب. اهـ يعني أن من أحكام الإيمان ولوازمه أن يعزم المؤمن على الإتيان بكل واجب إجمالاً ليتحقق التصديق الذي هو الإذعان والقبول، وأن يعزم على الإتيان بالواجب المعين إذا تذكره تفصيلاً، كالصلاة مثلاً، سواء دخل الوقت أو لم يدخل على ما قال في المنتهى. وأجيب بأن العزم على فعل كل واجب قبل فعله من أحكام الإيمان، فكان العصيان لذلك. وأما تفريع قوله: فلو جوز على ما سبق فليس على ما ينبغي؛ لأن عدم العزم لا يستلزم تجويز الترك. (سعد).
[١] قوله: «فهو محتاج إليه على هذا التسليم» ما ذكره المحشي صحيح لمن تأمل. (منقولة. ح).
[٢] قال الشيخ لطف الله عقب هذا: قال الإمام المهدي # في المنهاج: والصحيح هو قول من لم يجعل لها بدلاً في أول الوقت ولا وسطه؛ إذ المصلحة إنما هي فيما عين الله تعالى وجوبه، ولم يعين إلا الصلاة دون العزم، ولما كانت المصلحة بفعلها مستوية في جميع أبعاض الوقت المضروب جاز التقديم والتأخير.