هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام

صفحة 598 - الجزء 1

  كحز الرقبة بالنسبة إلى القتل الواجب.

  وسواء كان الشرط أيضاً شرعياً كالوضوء⁣(⁣١)، أو عقلياً كترك أضداد المأمور به⁣(⁣٢)،


= ليدخل في المبحث، والمراد بالنظر هو الصحيح. قال ابن متويه⁣[⁣١]: وطريق معرفة صحته أن يعرف أن الاعتقاد الواقع عنه مقتض لسكون النفس، فنعلمه نظراً صحيحاً مولداً للعلم، فالنظر سبب للعلم. وقد عرفت أن السبب ما يلزم من وجوده الوجود، فيلزم أن يوجد العلم بوجود النظر، وليس كذلك؛ فإن النظر قد لا يتولد عنه إلا الظن، فإن النظر الفكر المطلوب به علم أو ظن كما ذكره المؤلف في المقدمة وغيره من المنطقيين والأصوليين. ولعل المؤلف بنى ما ذكره هنا من استلزام النظر للعلم على ما ذكره ابن متويه حيث قال: أما النظر في الأمارات فإنما يختار الناظر عنده غالب الظن من دون أن يكون مولداً له، فلا حظ للنظر في التوليد إلا في قبيل واحد وهو العلم؛ لأنا نجد العارفين بأن الأمارة الواحدة ووجه كونها أمارة تختلف حالهما عند النظر فيها في حصول غالب الظن، ولو كان سبباً لم يجز أن تختلف كما في النظر في الدلالة⁣[⁣٢]؛ ولهذا تختلف أحوال الناس في الآراء والحروب وتختلف حال المجتهدين مع علم كل واحد بطريقة صاحبه، فثبت أنه يختار عنده الظن والداعي إليه هو العلم بالأمارة. قلت: هذا ما ينبغي التعرض له في هذا المقام، ولاستيفاء الكلام محل آخر.

(قوله): «أو عادياً كحز الرقبة»: فإن العادة قاضية بسببية حز الرقبة، يعني أنه يلزم من وجوده القتل عادة وإن كان لا يلزم من عدمه العدم.

(قوله): «كالوضوء» في الصلاة، فإذا علمنا أن الوضوء شرط في الصلاة ثم أوجبها الشارع ساكتاً عن الوضوء وجب الوضوء لوجوبها، كذا في شرح الشيخ العلامة. والأولى التمثيل بالحول في وجوب الزكاة⁣[⁣٣]؛ إذ الوضوء لا يلزم من عدمه عدم الوجوب، إنما يؤثر عدمه في عدم صحة الصلاة، والصحة⁣[⁣٤] ليست بحكم شرعي، بل عقلي، وقد سبق كلام في هذا.

(قوله): «كترك أضداد المأمور به» يلزم من عدم الترك عدم الفعل، لا من وجوده الوجود كما ذلك مقتضى الشرطية، ولعل ذلك مبني على جواز الخلو⁣[⁣٥] عن الفعل والترك كما هو المختار، ولاستيفاء البحث محل آخر. وإنما قال: «أضداد المأمور به» لأنه لا يتحصل الواجب إلا بترك كل ضد له، بخلاف المحرم فإذا فعل واحداً منها كفى.


(١) فإنه لم يكن شرطاً عقلياً ولا عادياً لتمام الصلاة، وإنما اعتبره الشارع فقط، ولا يخفاك أن النزاع فيما يثبت بالأمر الذي وجب به الواجب، ومثل الوضوء لا يجب إلا بدليل مستقل. (نظام الفصول).

(٢) هذا على قول من يقول: إن الأمر بالشيء نهي عن ضده. اهـ ينظر. (سيدي عبدالله الوزير).


[١] عبارة ابن متويه: فأما النظر الصحيح الذي يراد به توليد العلم به فطريق العلم به أن يعرف فيما قد وقع عنه من الاعتقاد أنه مقتض سكون النفس، فيعلم نظراً صحيحاً مولداً للعلم، والشرط في توليده أن يكون الناظر عالماً بالدليل فيما يعلم ذاته يعلمها على الوجه الذي يدل، فإن من لم يعرف صحة الفعل من زبد لم يمكنه أن يعرفه قادراً، وإن عرف صحته منه وجوز أن يشاركه العاجز في ذلك لم يمكنه أن يعرفه بهذه الصفة ... إلخ كلامه فليطالع. اهـ (ح).

[٢] كدلالة الدخان على النار. اهـ (ح).

[٣] مثال المؤلف صحيح؛ إذ الكلام فيما لا يتم الواجب المطلق إلا به، فالوضوء بالنسبة إلى الصلاة يلزم عن عدمه عدم تمام الواجب؛ إذ لا دخل له في الوجوب، وأما ما ذكر القاضي من التمثيل بالحول فهو غير محل النزاع؛ لأنه قيد للواجب المقيد يريد بحول الحول، فتأمل. (ح من خط شيخه).

[٤] في المطبوع: والصلاة ليست بحكم شرعي. وأظنه خطأ.

[٥] لا يخفى أنه لا دخل لهذا فيما نحن فيه؛ لأنه إن أراد انبناء لزوم عدم الفعل من عدم الترك على الخلو لم يستقم؛ إذ المراد من عدم الترك هنا عدم ترك ضد الفعل لا عدم ترك الفعل حتى يخلو عنهما، وإن أراد انبناء قوله: لا من وجوده الوجود الخلو فلا يقع الخلو عن الترك؛ إذ المفروض وجود ترك الضد، فليحقق، والله أعلم، ولعل المراد جواز الخلو عن الفعل عند الترك، والله أعلم. اهـ بل المراد ترك الفعل عند من لا يقول: لا يتحقق إلا بفعل، فيخلو عن الفعل والترك عند السكون؛ إذ ليس بترك. (حسن الكبسي عن خط العلامة أحمد بن محمد السياغي).