فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  إنما نقول بجواز اتحاد المتعلق عند جواز انفكاك الجهتين، وصوم يوم النحر لا ينفك عن الصوم، بخلاف الصلاة والغصب، فافترقا(١).
= فإن قيل: يلزم[١] أصحابنا الصلاة المكروهة، فإنهم قائلون بصحة الصلاة المفروضة في أماكن الكراهة كالحمام ونحوه، والأحكام كلها متضادة، فالوجوب كما يضاد التحريم يضاد الكراهة، فتكون الصلاة الشخصية المكروهة كالصلاة الشخصية في الدار المغصوبة. وقد أجيب بأن النهي التنزيهي يرجع إلى الوصف غالباً، فذلك الوصف هو متعلق النهي، مثلاً: النهي عن الصلاة في الحمام لكونه في معرض الرشاش، بخلاف الصلاة في الدار المغصوبة فإن المأمور به والمنهي عنه هو الكون الذي هو جزء الصلاة. ودفع هذا الجواب بأن المكروه هو الكون الشخصي الذي هو جزء الصلاة، فمتعلق النهي هاهنا أيضاً ليس إلا ما هو متعلق الأمر، وهو الكون لا الوصف، غاية الأمر أن الوصف سبب لاتصاف ذلك الكون بالكراهة، على أنه يفرض المثال في الصلاة في مواضع التهم؛ إذ الكون في مواضع التهم مكروه مطلقاً، والصلاة مطلقاً واجبة، فبينهما عموم من وجه كالصلاة والغصب، بخلاف الكون في الحمام فإنه ليس مكروها، فينظر في الجواب من قبل أصحابنا[٢]، والله أعلم.
(قوله): «وصوم يوم النحر لا ينفك عن الصوم ... إلخ» بيانه: أن النهي عن صوم يوم النحر قد لزم منه كون إحدى الجهتين لازمة للأخرى؛ لأن صوم يوم النحر قد نهي عنه، فهو لا ينفك عن الصوم بوجه؛ لأن المضاف - أعني الصوم المقيد بالإضافة إلى يوم النحر - يستلزم المطلق، وهو الصوم، بخلاف الصلاة في الدار المغصوبة فإنه لم ينه عن الصلاة فيها، وإنما نهي عن الغصب وأمر بالصلاة، والمكلف هو الذي اختار جمعهما في متعلق واحد مع إمكان انفكاك =
(١) لإمكان كل بدون الآخر.
[١] الظاهر عدم ورود هذا على أصحابنا من أصله؛ إذ الخوض إنما هو في منع تعلق الأمر والنهي بمتعلق واحد وكونه واجباً حراماً من جهتين؛ لدفع كل منهما الآخر كما عرف، بخلاف الوجوب والكراهة؛ إذ لا منع من كون الشيء الواحد واجباً مكروهاً؛ إذ لا يدفع أحدهما حقيقة الآخر، ولعل المراد من كون الأحكام كلها متضادة أن لكل واحد منها ماهية؛ ولذا عرف كل واحد منها بتعريف، وقد يجتمع اثنان منها في شيء واحد كالوجوب والكراهة لعدم التناقض، وقد يمتنع اجتماعهما للتناقض كما في الوجوب والحظر.
قول المحشي بعد: بخلاف الكون في الحمام ... إلخ - قد يقال: على فرض صحة هذا الأثر إذ وحدة المتعلق في الصلاة في الحمام أظهر منها في الصلاة في موضع التهم؛ إذ الكون في الحمام مع الصلاة هو متعلق الوجوب من حيث هو جزء الصلاة، ومتعلق النهي من حيث هو في الحمام الذي هو معرض الرشاش مع كونه جزء الصلاة، فهذا الكون الشخصي قد كان متعلق الوجوب والكراهة، بخلاف الكون في موضع التهم فمتعلق الوجوب هو الكون المطلق ومتعلق الكراهة الكون في موضع التهم في حال الصلاة وغيرها على ما بينه المحشي. وإن كان التحقيق أن متعلق الوجوب والكراهة هو الكون المخصوص كما حققه المؤلف | في الصلاة في الدار المغصوبة في قوله: والجواب أن الفرق بالانفكاك في مثال الصلاة ... إلخ، والله أعلم. (من خط سيدي حسين بن عبدالله الكبسي حماه الله ح). الظاهر ما ذكره سيلان فتأمل. (ح عن خط شيخه).
[٢] قوله: «فينظر في الجواب من قبل أصحابنا» ولعله يقال: إنه لا يتأتى عليه المنع - وهو التكليف بالمحال - إلا فيما كان واجباً محرماً؛ إذ هما كالمتناقضين لا ضدان، من حيث يلزم من ذلك أن يتضمن الإيجاب جواز الفعل والتحريم عدمه كما مر، بخلاف المكروه والواجب فلا يلزم من اتفاقهما تكليف بالمحال؛ إذ المكروه لا يتضمن الجواز. (سيدي حسن بن يحيى الكبسي | من خط العلامة أحمد بن محمد).