فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  (و) الجواب أن (الفرق بالانفكاك في مثال الصلاة لا الصوم) إنما يتم إذا أريد جنس الصلاة ينفك عن جنس الغصب، وهو خارج عن محل النزاع، لكنه (لا يتم) لهم (في) الصلاة (الشخصية) وهي الواقعة في الدار المغصوبة؛ لأن الصلاة المعينة غير منفكة عن الغصب، والنزاع إنما هو في أمر واحد بالشخص.
  احتج القائلون بالصحة بأن السيد إذا أمر عبده بخياطة ثوب ونهاه عن السكون في مكان مخصوص ثم خاطه في ذلك المكان فإنا نقطع بأنه مطيع عاص(١) بجتهي الأمر بالخياطة والنهي عن المكان، ويحسن من السيد ثوابه وعقابه.
  والجواب: أن متعلق الأمر(٢) مغاير لمتعلق النهي هنا، بخلاف الصلاة فمتعلقهما(٣) الأكوان.
= كل منهما بدون الآخر[١]. قال بعض أهل الحواشي: ولهذا جمع ابن الحاجب وشراح كلامه بين القول بصحة الصلاة في المكان المغصوب وبين القول بأن النهي يوجب الفساد. قلت: ومعنى الانفكاك عندهم - كما يفهم من كلام شرح المختصر والجواهر - كون كل واحدة من الجهتين معقولة بدون الأخرى.
(قوله): «والفرق بالانفكاك» أي: انفكاك الجهتين، يعني انفصال كل منهما عن الأخرى. وقد يجاب بأنهم أرادوا بالانفكاك كون كل واحدة منهما معقولة بدون الأخرى كما عرفت.
(قوله): «احتج القائلون بالصحة بأن السيد إذا أمر عبده بخياطة ثوب ... إلخ» كلام المؤلف # هنا وفيما تقدم قاضٍ بالاتفاق في مثال الخياطة على حصول الطاعة والامتثال بفعلها، لكن ذلك عند أصحابنا لتعدد المتعلق؛ ولذا جعله المؤلف # فيما تقدم مثالاً لتعدده باعتبار الجهتين وإن اتحد المتعلق شخصاً؛ ولذا جعله المؤلف # حجة لهم كما فعل ابن الحاجب؛ لأنه عندهم أوضح في تصوير الامتثال من مثال الصلاة. قالوا: ولذلك يحسن من العبد أن يقول: إن عصيتك بالسكون في المكان المخصوص فقد أطعتك فيما أمرتني به من الخياطة. وأجاب المؤلف #: بأن المتعلق متعدد اعتماداً على ما ذكره بعض أهل الحواشي حيث فرق بين هذا المثال وبين الصلاة بأن الكون جزء الصلاة الواجبة فكان واجباً، وفي الغصب هو منهي عنه، فيكون شخصاً واحداً متصفاً بالوجوب والحرمة، بخلاف الخياطة فإن الواجب على العبد وهو المأمور به هو فعل الخياطة، والكون في المكان ليس ذاتياً لها. قلت: وأما صاحب الفصول فلم يجزم في هذا المثال باختلاف المتعلق، بل قال: كالأمر بالخياطة والنهي عن مكان مخصوص ثم فعلت فيه إن كانت الخياطة ليست بغصب للهواء. قال الشيخ العلامة في شرحه: كأنه أشار إلى أن هذا المثال على سبيل الفرض، وإلا فهو من قبيل الصلاة في الدار المغصوبة؛ ولذلك قال في حواشي الفصول: وظاهر المذهب أنه غصب له، فقد اتحد المتعلق.
(١) أي: فكذلك فيما نحن فيه يكون من حيث إنه صلاة مطيعاً ومن جهة إنه غاصب عاصياً. (منتخب).
(٢) كالخياطة، وقوله: «مغاير لمتعلق النهي» كالقعود في مكان مخصوص.
(٣) أي: الأمر والنهي «الأكوان» أي: الكون في الحيز.
[١] قوله: «مع انفكاك كل منهما بدون الآخر» لو قال: فعل كل منهما بدون الآخر أو انفكاك كل منهما عن الآخر لكان أولى. (سيدي محمد بن زيد. ح).