هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام

صفحة 628 - الجزء 1

  احتجوا ثانياً: بأنها لو لم تصح لكان لاتحاد المتعلق؛ إذ لا مانع سواه اتفاقاً، واللازم باطل؛ إذ لا اتحاد فيه، فإن متعلق الأمر الصلاة، ومتعلق النهي الغصب، وكل منهما يتعقل انفكاكه عن الآخر، وقد اختار المكلف جمعهما مع إمكان عدمه، وذلك لا يخرجهما عن التعدد.

  والجواب: أنه إن أريد بالاتحاد كون الشيء الواحد متعلق الأمر والنهي من


(قوله): «لكان لاتحاد المتعلق ... إلخ» هكذا استدل ابن الحاجب وشراح كلامه لأصحابهم، لكن يقال: قد تقدم أن محل النزاع هو الواحد بالشخص، فيصح أن يكون متعلقاً للإيجاب والتحريم عند الأشاعرة، فكيف ذكروا في هذا الاحتجاج أن المانع عن الصحة اتحاد المتعلق.

والجواب أنهم يفرقون بين اتحاد المتعلق واجتماع الإيجاب والتحريم في الواحد بالشخص الذي هو محل النزاع، فيصح اجتماعهما فيه كما إذا قيل: زيد مشكور لكرمه مذموم لفسقه، فإنه وإن اجتمع الشكر والذم في واحد بالشخص فهو صحيح لعدم اتحاد المتعلق. ووجه الفرق عندهم أن الدليل على عدم الصحة هو ما ذكره المؤلف # في التحصيل المتقدم من أنه يكون تكليفاً محالاً أو تكليفاً بالمحال؛ لأنه يكون تناقضاً، وقد تقدم بيانه، والتناقض إنما يلزم مع اتحاد المتعلق ليتم شرط التناقض، وهو اجتماع الوحدات المعروفة في المنطق، وأما مجرد الاجتماع في واحد بالشخص فلا تناقض فيه باعتبار الجهتين لعدم تمام شرط التناقض، وقد أشار المؤلف # إلى هذا في تأويل كلام أبي هاشم فيمن خرج من مغصوب تائباً كما يأتي حيث قال: ووجودهما في جزئي لا يوجب اتحادهما فتأمله⁣[⁣١]. وأما أصحابنا فقد جعلوا مجرد اجتماع الإيجاب والتحريم في واحد بالشخص كاتحاد المتعلق في لزوم التناقض وكونه محالاً كما صرح بذلك المؤلف # في الجواب بقوله: فإن من الموانع ... إلخ، وبقوله: فيكون بعضها واجباً وبعضها حراماً⁣[⁣٢] ... إلخ، ونحو ذلك مما يقضي بالتناقض، لكن هل يلزم التناقض من مجرد اجتماع الإيجاب والتحريم فيكون مانعاً عن الصحة أم لا؛ لعدم تمام شرائط التناقض⁣[⁣٣]؟ ينظر، فالمقام محل تأمل؛ ولذا لم يستدل المؤلف فيما تقدم على عدم الصحة بلزوم التناقض، بل بالقياس على صوم يوم النحر.


[١] بناء على أن المتعلقين مطلق الماهيتين، واختلافهما كافٍ في تعدد المتعلق كما يأتي تحقيقه، خلاف ما هنا. (حسن بن يحيى).

[٢] قوله: «وبعضها حراماً» شكل عليه، وعليه ما لفظه: الأولى حذفها، ولم تكن موجودة في عبارة المؤلف فيما سيأتي. (ح، قال: اهـ شيخنا المغربي عافاه الله).

[٣] يقال: بل قد تم شرطه على تحقيق المؤلف أن محل النزاع هو الصلاة الشخصية التي جزؤها متعلق الأمر والنهي، وهو الكونُ في الحيز، الواجبُ من حيث إنه جزء الصلاة، المحظورُ من حيث إنه نفس الغصب، فمتعلقهما إذاً متحد، وهو الكون في الحيز، فهو مأمور به من حيث الأمر بجميع الصلاة، منهي عنه من حيث الغصب، فكان واجباً وغير واجب، والله أعلم. (حسن بن يحيى). وقد صرح بذلك المحشي في مواضع عدة، فهذا منه غفلة أو تغافل.

نعم، وما ذكره مثالاً للفرق بين اتحاد المتعلق واجتماع الإيجاب والتحريم من نحو: مشكور مذموم بناء على أن محل النزاع هو الصلاة والغصب مطلقاً، وحينئذ لا يتحد متعلقهما، فلو جعل من محل النزاع بأن يفرض اجتماعهما في شيء واحد شخصي من الفسق أو الكرم كما اجتمع الغصب والصلاة في جزئها - وهو الكون في الحيز - لامتنع اجتماعهما. (سيدي حسن بن يحيى الكبسي. ح).