فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  وهذا قول الجويني، وقد سلَّم انتفاء تعلق النهي به فانتهض الدليل عليه.
  قال في البرهان: من تخطى أرضاً مغصوبة نُظِر: فإن اعتمد ذلك متعدياً فهو مأمور بالخروج، وليس خارجاً عن العدوان والمظلمة؛ لأنه كائن في البقعة المغصوبة، والمعصية مستمرة وإن كان في حركاته في صوب الخروج ممتثلاً للأمر، وهذا يلتفت على مسألة الصلاة في الدار المغصوبة، فإنها تقع امتثالاً من وجه وعصياناً واعتداء من وجه(١)، فكذا الذاهب إلى صوب الخروج ممتثل من وجه
= المعصية عند الجويني قد يكون بفعل ما هو مسبب عن فعله الاختياري[١] كما ذكره في حواشي شرح المختصر، ووجه بعد كلامه أنه في حال خروجه آت بالمأمور به على وجهه، فلا مساس له بالمعصية حالاً ولا استصحاباً؛ لزوالها بالتوبة المتقدمة للخروج، وقد صرحوا بصحة التوبة[٢] عن المسبب قبل وقوعه وبعد وقوع سببه.
واعلم أن هذا الكلام[٣] يوهم أن الجويني يقول باستصحاب نفس المعصية حال الخروج، وليس كذلك، فإنه إنما ذهب إلى استصحاب حكم المعصية وهو العقوبة كما عرفت من تحقيق عبارتهم.
(قوله): «وقد سلم انتفاء تعلق النهي به» أي: بالخروج حيث قال فيما يأتي: وليس هو عندنا منهياً عن الكون.
وقد يجاب بأن الجويني لا يسلم أن دوام المعصية لا يكون إلا بفعل منهي عنه أو ترك مأمور به، إنما ذلك في ابتدائها خاصة، بل قد تكون المعصية عنده بفعل ما هو مسبب عن فعله الاختياري وهو الدخول كما يأتي؛ ولذا حكموا باستبعاد كلامه لا استحالته.
(قوله): «في صوب الخروج» صوب الشيء: جهته.
(قوله): «يلتفت» أي: يشابه.
(قوله): «ممتثل من وجه» لأمره بالخروج.
(١) فاعتبر إمام الحرمين في الخروج جهة معصية، وهي الإثم بحصول الضرر بالشغل المذكور، وجهة طاعة، وهي امتثال الأمر بقطع المسافة للخروج وإن لزمت الأولى الثانية؛ إذ لا ينفك الامتثال المذكور عن الشغل المذكور، وإنما يكون ذلك من التكليف بالمحال لو تعلق الأمر والنهي معاً بالخروج، وتعلق النهي هنا منتفٍ لانقطاع تكليف النهي. (ابن أبي شريف).
[١] قال الأبهري: وإذا عصى المكلف بفعل شخص آخر هو مسبب عن فعله على ما قال ÷: «من سن سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها)) لم تستبعد معصيته بفعل له غير مكلف به هو مسبب عن فعله الاختياري. اهـ ح.
[٢] كمن تاب حال نفوذ السهم عن القوس وقبل وقوعه في المرمي. (شرح فصول للجلال ح).
[٣] الإيهام فيما نقله المؤلف عن البرهان؛ إذ فيما نقله عبارات تشعر باستصحاب نفس المعصية فتأمل. (ح من خط شيخه).