فصل: في حقيقة الحكم وأقسامه وما يتعلق بأقسامه من الأحكام
  من الشرع ليس إلا كون العقد مثلاً مستجمعاً لشرائطه أو غير مستجمع.
  ووجه القول الآخر: أنهما حكم بتعلق شيء بشيء تعلقاً زائداً على التعلق الذي لا بد منه في كل حكم، وهو تعلقه بالمحكوم عليه وبه، وذلك أن الشارع حكم بتعلق الصحة بهذا الفعل وتعلق البطلان بذاك.
  وقيل: إن الصحة والبطلان في المعاملات ليسا من الأمور العقلية التي لا تتوقف على توقيف من الشارع؛ لأنه لا شبهة في كونهما من جملة الأحكام الوضعية فيها؛ إذ لا يستراب في أن كون عقودها مستتبعة لآثارها المطلوبة منها متوقف(١) على توقيف من الشارع(٢)، بخلاف الصحة والبطلان في العبادات فإنهما ليسا من جملة الأحكام
(قوله): «أنهما حكم ... إلخ» أي: أن الصحة والبطلان «حكم» أي: حكم من الشارع «بتعلق شيء بشيء ... إلخ» قال في التلويح: يعني أن الشارع حكم بتعلق شيء بشيء ... إلخ.
(قوله): «وهو» أي: التعلق الذي لا بد منه في كل حكم «تعلقه» أي: الحكم «بالمحكوم عليه وبه» وإنما كان هذا التعلق لا بد منه لأن الحكم أمر نسبي لا يعقل إلا بمحكوم عليه وبه، ولم يذكر الحاكم، وقد اعتذر في حاشية التلويح عن عدم ذكره بوجه غير نافع فتركناه.
(قوله): «وذلك لأن الشارع حكم بتعلق الصحة بهذا الفعل ... إلخ» يعني فهذا التعلق الخاص بفعل دون فعل ليس هو التعلق الذي لا بد منه؛ إذ لا يتوقف تعقل الحكم على هذا التخصيص، إنما يتوقف على التعلق بمحكوم عليه ومحكوم به مطلقاً كما عرفت؛ فلذا كان هذا التعلق الخاص حكماً وضعياً.
(قوله): «لا شبهة في كونهما من جملة الأحكام الوضعية» هذا ممنوع لما ذكره المؤلف سابقاً؛ وذلك لاشتراك العبادات والمعاملات في أنهما إذا استجمعا الأركان والشرائط حكم العقل بترتب الآثار عليهما من غير فرق، وقد فرق بينهما بأن الشارع جعل صحة عقد البيع علامة لحل الانتفاع، ولا يستقيم هذا في العبادات؛ إذ لم يجعل صحة الصلاة مثلاً علامة امتثال الأمر، بل ذلك يدركه العقل، بخلاف الحل، لكن هذا الفرق غير مفيد؛ إذ المراد عدم الفرق بينهما فيما هو المقصود من الصحة، أعني ترتب الآثار، وقد عرفت أن لا فرق بينهما في ذلك.
(١) قوله: متوقف خبر (إن)، وخبر كون: مستتبعة.
(٢) وذلك لأن كون التلفظ بصيغة (بعت) تترتب عليه إباحة الانتفاع إنما هو بتوقيف منه تعالى، فكان من جملة خطاب الوضع. (ميرزاجان).
(*) بخلافهما في العبادات؛ ولذلك اقتصر المصنف على تفسيرهما في العبادات ولم يتعرض لتفسيرهما في المعاملات؛ إذ غرضه أن يذكر كونهما من أحكام الوضع. والإنكار - يعني على ابن الحاجب - إنما يتوجه إذا كان في العبادات لا في المعاملات، فظهر أنه لا خلل في كلام المصنف والشارح رحمهما الله في هذا المقام بذكر القيود وتركها، بل كل ذلك بالنظر إلى اعتبار أمر يقتضيه المقام، اللهم إلا أن يكون من سوء فهم الناظر فيه وقلة التدبر، عصمنا الله تعالى منها ووقانا. (أبهري).