[ذكر سبب التأليف]
  الشمول وجود البيان بوجود الألفاظ ولا عكس(١).
  (حافل بأقوال العلماء على الشمول) يقال: حفل الوادي بالسيل: جاء بملء جنبيه فهنا استعارة إما مكنية أو تبعية أو تمثيلية(٢) كما لا يخفى، وعلى
(قوله): «فهاهنا استعارة إما مكنية» في الضمير المستتر في حافل العائد إلى الكتاب، شبهه بالوادي الممتلئ من الماء.
(قوله): «أو تبعية» يعني في حافل، شبه جمعه للأقوال المذكورة بالحفل، فتبعه اسم الفاعل في ذلك.
(قوله): «أو تمثيلية» يعني بأن شبه الهيئة الحاصلة من امتلاء كتابه بالأقوال والفوائد مع الإحاطة والشمول بالهيئة الحاصلة من امتلاء الوادي بالسيل وإحاطته به، لكن مقتضى التمثيل[١] أن يؤتى باللفظ الحقيقي الدال على هيئة المشبه به بغير تجوز في شيء من مفرداته[٢] ولم يكن ذلك حاصلاً[٣] في لفظ المؤلف، ولعله يجاب بأنه مبني على ما قرره السعد من أن المستعار في الاستعارة التمثيلية قد يكون لفظاً مفرداً دالاً على معنى مركب كما صرح به في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا}[البقرة: ٢٦]، وهنا الحفل قد دل على ذلك وإن كان مفرداً، لا على ما ذكره السيد المحقق من أن المستعار في الاستعارة التمثيلية لا بد وأن يكون لفظاً مركباً، وزيف ما ذكره السعد وحقق الكلام في تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ}[لقمان: ٥]، وهذه المسألة هي التي وقعت فيها المناظرة بينهما كما ذكره بعض الفضلاء في رسالة وضعها لتلك المناظرة =
(١) أي: لا توجد الألفاظ بوجود البيان؛ إذ قد يكون البيان بغير الألفاظ كالإشارة ونحوها. وقوله #: «على الشمول» في محل النصب على أنه مفعول مطلق، أي: حملاً على الشمول. وقوله: «أو حال» أي: من أقوال العلماء.
(٢) يحقق الكلام هنا في التمثيلية، فإن ظاهر قول أهل البيان أن الاستعارة لا تشم رائحة التشبيه، حتى قالوا في قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة: ١٨٧]، إنها تشبيه؛ لقوله: (من الفجر)، وكذا هنا قوله: بأقوال العلماء يردها إلى تشبيه التمثيل لا إلى الاستعارة التمثيلية فتأمل، والله أعلم. ويدل على ذلك الحد لها بقولهم: اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل، مثل: أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى لمن تردد في أمر.
[١] قوله: «لكن مقتضى التمثيل ... إلخ»: أقول: الظاهر أن الاعتراض غير متجه» وأن كلام المؤلف مستقيم على مذهب السيد كما أنه مستقيم على طريقة السعد؛ لأن المؤلف قدس الله روحه إنما قال: حافل بأقوال، ففي قوله هذا تركيب ما يكفي في مثله التمثيلية، إنما يرد عليه الاعتراض لو أطلق الحفل ولم يذكر الأقوال التي وقع بها الحفل فتأمل. وعندي أن المؤلف قدس الله روحه حذا بهذا الكلام حذو الكلام الذي ذكره السيد المحقق في حاشية المطول، فإنه أجاز في قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ...} الآية [البقرة: ٧] المكنية والتبعية والتمثيلية تبعاً للعلامة في الكشاف، وجعل المدار على الاعتبار، فليراجع فإنه مفيد. (القاضي إسحاق العبدي |. ح).
[٢] قوله: «بغير تجوز في شيء من مفرداته» نحو: أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، والمراد بغير تجوز في المفردات لأجل التمثيل المراد، وإلا فلو قال: «أراك تقدم خطوة وتؤخر خطوة» كان من التمثيل مع التجوز بخطوة عن الرجل. (ح ن).
[٣] قوله: «ولم يكن ذلك حاصلاً» السؤال غير وارد، فإن الشريف وإن زعم أن التمثيل لا يجري في التبعية فقد جوز أن يكون قوله تعالى: {عَلَى هُدًى} تمثيلاً، لكنه يقول: إن ثمة ألفاظاً مخيلة يحصل فيها الهيئة المستعارة المشبهة بها مرادة وإن لم تقدر في نظم الكلام مع ذكر ما هو العمدة في تحصيلها كعلى، فكذلك هنا تقدر ألفاظ محصلة للهيئة وقد ذكر منها ما هو العمدة أعني حافل، والمؤلف قد اختار كلام الشريف حيث قال: تبعية أو تمثيلية ولم يقل: وتمثيلية بالواو، وأما المحقق التفتازاني فقد جوز اجتماعهما بناء على أن تكريب الطرفين غير مشروط في تشبيه التمثيل الذي تنبني عليه الاستعارة التمثيلية، وأن الهيئة جائز أن يتكفل بتحصيلها لفظ مفرد، وقد حققنا الكلام على ما ينبغي في شرحنا على الإيجاز فليطالع. (المولى زيد بن محمد |. اهـ ح).