هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: [المحكوم فيه]

صفحة 688 - الجزء 1

  وهذه الشبهة يشترك فيها⁣(⁣١) من قال بوقوع التكليف بما لا يطاق على الإطلاق ومن قال بوقوعه في الممتنع لغيره لا غير، فالأولون لأنه تكليف بالجمع بين النقيضين أو الضدين، والآخرون يمنعون كونه جمعاً بين النقيضين أو الضدين ويجعلونه ممتنعاً لغيره؛ لأنه تعالى لما أخبر عنه بأنه لا يؤمن استحال إيمانه؛ لأن خبر الله تعالى صدق قطعاً، فلو آمن لوقع الخلف في خبره تعالى، وهو محال، فإذا أمر بالإيمان والحال هذه فقد أمر بما هو ممكن في نفسه وإن كان مستحيلاً لغيره⁣(⁣٢) كما يقولون فيمن علم الله تعالى أنه لا يؤمن، وستطلع إن شاء الله تعالى على بطلان عده في المحال.


(١) جعل المحلي في شرح الجمع هذه الشبهة - أعني تكليف مثل أبي لهب بتصديقه ÷ - للقائل بوقوع الممتنع بالذات، وقرره بالتقرير السابق.

وأما القائل بوقوع الممتنع بالغير فذكر في حجته أنه تعالى كلف الثقلين بالإيمان وقال: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ١٠٣}⁣[يوسف]، فامتنع إيمان أكثرهم لعلمه تعالى بعدم وقوعه، وذلك من الممتنع لغيره، ولما كان هذا التقرير مما يمكن إجراؤه في جانب أبي لهب بأن يقال: إنه تعالى كلفه بالإيمان وقد علم عدمه منه جعل مولانا شرف الإسلام هذه الشبهة شاملة للفريقين ومنطبقة على المذهبين باختلاف التقريرين روماً للاختصار، وعدولاً عن التطويل بتخصيص كل فريق بشبهة، وإنما اقتصر في متن الكتاب على التقرير الأول المختص بالامتناع بالذات لما فيه من الدقة واحتياجه في الجواب عنه إلى مزيد عناية، فتأمل ذلك، والله الموفق، وهو سبحانه أعلم. (من خط السيد صلاح بن الحسين الأخفش |).

(٢) قال ابن السبكي: ألا ترى أن الصادق إذا أخبر بأن زيداً سيكفر غداً يجب عليك تصديقه، ثم يحرم عليك أن تجعل زيداً كافراً، فأبو جهل والحال هذه إنما كلف بأن يصدق بأنه لا يؤمن سواء كان على الجملة أو على التفصيل، لا بأن يجعل الخبر صادقاً ويسعى في عدم إيمان نفسه. (من شرحه للمختصر).