[الكلام في تكليف الكافر بفروع الإيمان]
[الكلام في تكليف الكافر بفروع الإيمان]
  مسألة: اختُلِف في تكليف الكافر بفروع الإيمان، فقال أصحابنا والجمهور: (الكافر مكلفٌ بالفروع(١)) للإيمان ومخاطب بها كما أنه مكلف بالأصل الذي هو الإيمان اتفاقاً.
  والخلاف في ذلك لجمهور الحنفية، وهو مروي عن الاسفرايني من الشافعية، قيل: هو أبو إسحاق، وقيل: هو أبو حامد(٢).
(قوله): «الكافر مكلف بالفروع» جعل المؤلف # هذه المسألة في تكليف الكافر، وهو كما ذكره الإمام المهدي # وصاحب الفصول. واعترض ذلك الشيخ في شرح الفصول بأن ما ذكره مسألة فرعية إنما فرضها الأصوليون مثالاً للقاعدة الأصولية، وهي أن حصول الشرط الشرعي هل يشترط في صحة التكليف كالعقلي أم لا، ولم يذكر الآمدي وابن الحاجب إلا المسألة الأصولية، وفرضاها في بعض الصور الجزئية - وهي تكليف الكافر بالفروع - تقريباً للفهم وتسهيلاً للمناظرة. والمراد بالشرط شرط صحة الفعل كالإيمان للطاعات، لا شرط الوجوب أو وجوب الأداء؛ للاتفاق على أن حصول الأول شرط في التكليف بوجوبه ووجوب أدائه، والثاني شرط في التكليف بوجوب أدائه دون وجوبه. قال السعد: وهو في الأوامر ظاهر دون النواهي؛ إذ لا معنى لكون الإيمان شرطاً شرعياً لترك الزنا أو لصحته[١]. وأجاب بعض أهل الحواشي بأن قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ٦٨}[الفرقان] إشارة إلى المحرمات، فيمكن أن يقال: إذا كان المطلوب في النهي هو الكف فلا يبعد أن يشترط في إيجاب الكف من الزنا الإيمان.
نعم، إذا جعل المطلوب النفي[٢] لم يكن الإيمان شرطاً شرعياً لصحته، على أنه يمكن أن يقال: صحة ترك الزنا بأن يترتب عليه الثواب إنما يحصل بعد الإيمان، ويراد بالصحة هنا غير المعنى الاصطلاحي، قال: وفيه تكلف.
فائدة: والمراد بالشرط ما يكون الوجوب غير مقيد به، فالمعنى أنه لا يشترط في التكليف بالواجب المطلق حصول ما هو مقدمة له، فهؤلاء المنازعون توهموا أن وجوب المكلف به يقيد بحصول الشرط الشرعي، ذكر معنى هذا البعض من أهل الحواشي.
(١) قال ابن القشيري: والقائلون بأنهم غير مخاطبين انقسموا: فمنهم من قال: مستحيل عقلاً، ومنهم من قال: شرعاً، ومعنى ذلك: أن المكلف بما هو مشروط بشرط مع نهيه عن إيقاعه في حالة عدم الشرط يصير مكلفاً بأن يفعل وأن لا يفعل، وهذا محال عقلاً، والقائل بالمنع الشرعي يقول: إنهم لما لم يجبروا عليها وإذا أسلموا فلا شيء عليهم فيما مضى فلا تكليف شرعاً. وجوابهما ظاهر: أما الأول فلأنه ما كلف أن يفعله بلا شرط، بل أن يوقع الشرط ثم المشروط، وسيأتي فيه تحقيق من كلام إمام الحرمين وغيره. وأما الثاني فجوابه أن عدم قضائهم تخفيف. (من شرح البرماوي).
(٢) قال الإمام في المحصول: هو أبو حامد، وفي المنتخب: هو أبو إسحاق. اهـ قال في النبلاء: الإمام العلامة الأوحد الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الاسفرايني صاحب الشافعي الملقب ركن الدين، أحد المجتهدين في عصره وصاحب المصنفات الباهرة، ثم قال: توفي يوم عاشوراء سنة ٤١٨ بنيسابور. اهـ ثم نقل إلى اسفراين. (ابن خلكان).
[١] أي: صحة الزنا حتى يكون الكافر الزاني والمؤمن التارك للزنا سواء في الحكم. (علوي ح).
[٢] كان في الأصل النهي ثم ضرب عليه وصحح ما ترى. اهـ ح.