فصل: [المحكوم فيه]
  ولا يقال: إنه تعالى إنما حكى عنهم تعليلهم دخول النار بترك الصلاة والزكاة، ومن الجائز أن يكون تعليلاً بخلاف الواقع، كحكايته عنهم في قوله تعالى: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ٢٣}[الأنعام]، وقوله تعالى: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ}[النحل: ٢٨]، ونحوهما، ومن المعلوم أنهم كانوا على خلاف ذلك ولم يكذبهم في شيء منه، فعلمنا أن التكذيب غير واجب - لأنه يجاب(١) بوقوع التكذيب في قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}[الأنعام: ٢٤]، وقوله تعالى: {بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٢٨}[النحل].
  ولو سلم فترك التكذيب لا يحسن هاهنا؛ لأنه لو كان تعليلهم دخول النار بترك الصلاة والزكاة كذباً لما كان لحكايته عنهم فائدة، بخلاف ترك التكذيب في المواضع التي حكاها الله تعالى عنهم فإنه يحسن؛ لاستقلال العقل بمعرفة كذبهم فيها(٢)، وتكون الفائدة من ذكر تلك الأشياء بيان نهاية مكابرتهم وعنادهم في الدنيا والآخرة.
(قوله): «لا يحسن هاهنا» أي: في قوله: {مَا سَلَكَكُمْ ...} الآية [المدثر: ٤٢].
(١) قوله: «لأنه يجاب» متعلق بقوله: ولا يقال ... إلخ، وإذا كان السؤال في غاية الضعف قيل فيه: لا يقال، كما أنه إذا كان قوياً قيل: ويرد عليه أو نحو ذلك. وحاصل هذا الجواب أن قولكم: لم يكذبهم في شيء منه مردود، فإنهم لما قالوا: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ٢٣} كذبهم الله عقيب ذلك بقوله: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}[الأنعام: ٢٤]، ولما قالوا: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ}[النحل: ٢٨] كذبهم عقب ذلك فقال: {بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٢٨}[النحل]، ومعنى: «بلى» بل كنتم تعملون السوء، وإذا كذبهم فيما يعلم العقل كذبهم فيه وجب تكذيبهم فيما يحتمل الصدق والكذب، وهو قولهم: لم نك من المصلين، ولم يكذبهم فيه، بل أقر كلامهم؛ فدل على صدقه. وقوله: «ولو سلم» يعني ولو سلم أنه لم يكذبهم في الآيتين المذكورتين بأن يقال: يحتمل أنه تأخر نزول قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}[الأنعام: ٢٤] وقوله تعالى: {بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٢٨}[النحل] عن نزول الآيتين قبلهما فترك التكذيب هنا - أي: في قولهم: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ٤٣}[المدثر] - لا يحسن ... إلخ. (لسيدي عبدالقادر بن أحمد).
(٢) عبارة السعد: لأن في تقرير الحكاية وترك الإنكار تصديقاً لهم، وإنما ترك الإنكار حيث يستقل العقل بمعرفته. وهي أخصر وأوضح كما لا يخفى.