فصل: [المحكوم فيه]
  وأما هاهنا فلم يكن للعقل مدخل في معرفة كذبهم، والله تعالى لم يبين لنا كذبهم، فلو كانوا كاذبين في تعليلهم لم يحصل من حكايته غرض أصلاً، فتكون الآية عرية عن الفائدة.
  ولا يصح أن يكون الوعيد على مجرد التكذيب؛ لاستلزام(١) كون سائر القيود(٢) عديمة الأثر في اقتضاء هذا الحكم، فيكون ذكرها عبثاً(٣).
  ولا يفيد تأويل «المصلين» بأهل الصلاة؛ لغناء(٤): {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ٤٤}[المدثر] في ثبوت المدعى.
(قوله): «ولا يصح أن يكون الوعيد على مجرد التكذيب» أي: التكذيب بيوم الدين الذي هو عدم الإيمان.
(قوله): «عديمة الأثر» أي: الفائدة «في اقتضاء هذا الحكم» وهو سلوك سقر.
(قوله): «تأويل المصلين بأهل الصلاة» أي: بحمل المصلين على المسلمين، بأن يراد بالمصلين أهل الصلاة كما في قوله ÷: «نهيت عن قتل المصلين)).
(قوله): «لغناء قوله: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ٤٤}[المدثر]» هذا التأويل إنما يتم على تقدير تسليم أن المراد بالمصلين المسلمين، وهو غير مسلم؛ لفوات المناسبة مع هذا التأويل في قوله: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ٤٤} بأنه عبارة عن الزكاة؛ لأنه الإطعام الواجب، ولأنه إذا كان التعذيب على ترك الإسلام لم تجب عليهم الزكاة عند المخالف فلا يصح التعذيب على تركها، فينافي هذا التأويل كما ذكره في شرح المختصر وحواشيه.
(١) في (أ): لأنه يسلتزم.
(٢) وهي: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ٤٣} ... إلخ.
(٣) وذلك باطل؛ لأن الله تعالى رتب الحكم عليها أولاً في قوله تعالى: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ٤٣ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ٤٤}[المدثر]. فإن قيل: إذا وجد الأمر المستقل[١] لم يجز إحالة الحكم على غيره. قلنا: لعل الحصول في الموضع المعين من الجحيم ما كان لمجرد التكذيب، بل لمجموع هذه الأمور وإن كان مجرد التكذيب سبباً لدخول مطلق الجحيم. (محصول بأكثر اللفظ).
(٤) قال الإمام الحسن بن عزالدين #: لفوات المناسبة في قوله: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ٤٤}[المدثر]، إذ هو عبارة عن الزكاة؛ لأنها الإطعام الواجب، فيحمل على أن المراد فاعلو الصلاة ليتجاذب طرفا النظم، وهو اللائق بالفصاحة. اهـ قال الإمام المهدي #: لأن الظاهر خلاف ذلك، سلمنا فهذا لا يستقيم لهم في قوله: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ٤٤ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ٤٥}[المدثر]، فإن هذين مصرحان بأن عقابهم بالإخلال بذلك لا بترك الإسلام قطعاً، فهما على ما يقتضيه المنطوق لا المفهوم.
[١] في المطبوع: بالمستقل. والمثبت من المحصول، ولفظه: لما وجد السبب المستقل لم يجز ... إلخ.