[مسألة في بيان المكلف به في النهي]
  الجبائي وأبي القاسم البلخي وغيرهم، وهو مروي عن القاسم الرسي ومحمد المرتضى @، وهو قول والدنا المنصور بالله قدس الله روحه (لأنه) أي: الفعل هو (المقدور، لا نفي) الفعل (لأنه عدم محض فليس أثراً للقدرة) ولأن
(قوله): «عدم محض» يعني والقدرة أثرها الإيجاد، فليس عدم الفعل أثراً. وكأن المؤلف # إنما قال: «عدم محض» ليخرج مثل امتنع وأبى فإنهما وإن كانا عدمين لكن ليسا بعدم محض، والله أعلم.
= ... إلى أن قال: والحاصل أن الأخذ التناول، والمهجور المتروك، فصار المعنى تناولوه متروكاً، أي: فعلوا تركه، وهو واضح على جعل اتخذ في الآية متعدياً إلى اثنين ثانيهماً مهجوراً، وهو الواقع فيها، ولا يجوز أن يكون متعدياً إلى واحد؛ لئلا يختل المعنى؛ إذ يلزم أن يكون القوم اتخذوا القرآن، ويكون مهجوراً حالاً، فيلزم أنهم اتخذوه في حال كونه مهجوراً، وهو عكس المعنى، فإنهم اتخذوا هجره ولم يتخذوا إقامته.
إلى أن قال: فتعين كون اتخذ هنا متعدية إلى اثنين[١]، وهو واضح متعين في هذه الآية وفي قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ١٢٥}[النساء]، لأن المعنى على أنه اتخذ خلته لا أنه اتخذ ذاته في حال خلته، وفي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}[الجاثية: ٢٣].
وأنا أقول: في الآية دليلان لمسألتين: مسألة من علم الأصول، وهي أن الترك فعل كما أوضحت لك، ومسألة من علم النحو، وهي الرد على الفراء في دعواه أن الثاني من مفعولي ظننت وأخواتها حال لا مفعول ثان، وقد رد عليه النحاة بوقوعه مضمراً نحو: ظننتكه، ولو كان حالاً لم يجز؛ لأن المضمرات معارف، والأحوال نكرات، وفيما تلوت من الآيات الثلاث رد عليه، فإنه يلزمه اختلال المعنى.
والثاني حديث أبي جحيفة، وساق سنده إلى أبي جحيفة قال: قال رسول الله ÷: «أي الأعمال أحب إلى الله؟)) قال: فسكتوا فلم يجب أحد، فقال: «هو حفظ اللسان)).
والثالث: قول قائل المسلمين من الأنصار رأى النبي ÷ يعمل بنفسه في بناء مسجده:
لئن قعدنا والنبي يعمل ... لذاك منا العمل المضلل
انتهى المراد نقله باختصار، ذكره في خطبة كتابه في الكلام على الإيمان. والحق أنه احتجاج غير ناهض؛ فإن الترك هنا مستلزم لفعل، فإن ترك القرآن إنما هو ترك أحكامه كما أشارت إليه عبارة الكشاف، مثلاً يحلل شيئاً فيحرمونه، ويحرم شيئاً فيحللونه، ومثل ذلك فعل قطعاً، فإيقاع فعل الاتخاذ على الترك وصحة حمل أحدهما على الآخر لا يتعين أن يكون للتصادق؛ لجواز أن يكون لاستلزام الترك فيما نحن فيه الفعل، وهو ظاهر. (من أنظار حسام المحققين زيد بن محمد قدس سره).
[١] في المطبوع: فتعين كون اتخذ هنا متعدياً. والمثبت من طبقات السبكي.