فصل: [المحكوم فيه]
  العدم ثابت قبل القدرة واستمر، ولا يكون الثابت قبلها أثراً لها.
  قال أبو علي وأبو القاسم: ولأن العبد لا يخلو عن الفعل، فلا يكون المكلف به نفياً محضاً لاستحالته، فيتوجه الخطاب إلى فعل الضد(١).
  (وقيل:) بل المكلف به في النهي (نفي الفعل) وهذا قول أبي هاشم وجمهور المعتزلة والغزالي وأحد قولي القاضي أبي بكر الباقلاني، وهو اختيار الإمام المهدي أحمد بن يحيى #(٢)؛ لأنه واقف على اختيار العبد؛ للقطع بأن القادر المختار هو من إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل(٣)، فيدخل في المقدور عدم الفعل إذا ترتب على عدم مشيئة الفعل وكان الفعل مما يصح ترتبه على المشيئة، ويخرج عنه من العدم ما ليس كذلك.
(قوله): «وإن لم يشأ لم يفعل» حاصله: أنا لا نفسر[١] القادر بالذي إن شاء فعل وجود الفعل وإن شاء أو لم يشأ فعل عدم الفعل، بل بالذي إن شاء فعل وجود الفعل وإن شاء أو لم يشأ الفعل لم يفعل، لا أنه فعل العدم. قلت: فيظهر قول المؤلف #: فيدخل في المقدور عدم ... إلخ.
(قوله): «وكان الفعل مما يصح ترتبه ... إلخ» هذا دفع لما قيل: إنه يصدق على عدم الفعل ممن وجب منه الفعل بالذات أنه لم يشأ فلم يفعل، وليس عدم فعله أثراً لقدرته بالاتفاق. ووجه الدفع أنه قد اعتبر في كون العدم أثراً أنه لم يشأ فلم يفعل بعد أن كان بحيث إذا شاء فعل، وهذا ما أراده بقوله: وكان الفعل مما يصح ترتبه على المشيئة، وبه يظهر قوله #: ويخرج عنه من العدم ما ليس كذلك.
(١) وفيه نظر؛ لأن النهي قسيم الأمر، والأمر طلب الفعل، فلو كان النهي طلب فعل الضد لكان أمراً، ولكان النهي من الأمر، وقسيم الشيء لا يكون قسماً منه. (زركشي على الجمع). ولقائل أن يقول: إنما كان الضد مطلوباً بطريق الاستلزام للنهي، فالأقسام بالقصد متمايزة.
(٢) والسيدين المؤيد بالله وأبي طالب، والمنصور بالله، والسيد مانكديم، والأمير الحسين، ونسبه في الفصول إلى جمهور أئمتنا.
(٣) هذا محل بحث ونظر فليراجع في حاشية ميرزاجان فقد أطال فيه وأطاب. اهـ وقد نقلنا هنا في الحاشية التي على سيلان من حاشية ميرزاجان ما فيه الكفاية فطالعه، وفي نجاح الطالب أبحاث هنا نفيسة.
[١] أقول: فيه بحث، أما أولاً فلأن كلامه | مشعر بأن ترك الفعل مما لم تتعلق به المشيئة، وليس كذلك، بل عدم الفعل قد يترتب على إرادة العدم وقد يترتب على عدم إرادة الوجود على ما هو مصرح به في الكتب الكلامية. وأما ثانياً فلأن تفسير القادر بما ذكره تفسير منسوب إلى الفلاسفة وليس مرضياً عند المتكلمين والأصوليين، كيف والفلاسفة أثبتوا هذا المعنى لله تعالى؟ وقد شنع المتكلمون عليهم بأن هذا المعنى ليس معنى الاختيار ولا ينافي الإيجاب. فالأصوب أن يقال: إنا لا نفسر القادر بالذي إن شاء فعل وجود الفعل وإن شاء أو لم يشأ فعل عدم الفعل، بل بالذي يصح منه الفعل إن شاء فعل وجوده، ويصح منه الترك إن شاء أو لم يشأ فلم يفعل شيئاً، لا أنه فعل العدم. وأما ما قيل عليه من أنه لا يكفي في كون العدم أثراً مجرد أنه لم يشأ فلم يفعل؛ لأن ما لم يفعل الموجب بالذات يصدق عليه أنه لم يشأ فلم يفعل وليس أثراً للقدرة بالاتفاق فأقول: مدفوع عنه |؛ لأنه اعتبر في كون العدم أثراً أنه لم يشأ فلم يفعل بعد أن كان بحيث إذا شاء فعل، فيخرج ما لم يفعل الموجب بالذات. والحاصل أنه جعل عدم الفعل مستنداً إلى عدم المشيئة التي كان وجودها علة لوجود الفعل، فلا غبار، والعجب من هذا القائل المعترض أنه لم يتنبه لقوله |: وكان الفعل مما يصح ترتبه على المشية، حيث ذكره قيداً لترتب العدم على عدم المشيئة لدفع هذا الوهم، فتدبر. (ملا ميرزاجان. ح).