فصل: في بيان المحكوم عليه وأحكامه
  والوجه: أنه لما كان العقل والفهم فيه خفياً وظهوره فيه على التدريج ولم يوجد ضابط جعل الشارع البلوغ ضابطاً؛ لكون الفهم معه أكثرياً، وحط عنه التكليف قبله تخفيفاً عليه؛ لقوله ÷: «رفع القلم عن ثلاثة(١): عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق»، وقوله: «يبلغ» يحتمل بلوغ درجة التمييز بين المنافع والمضار فلا يقوم حجة في المطلوب.
  وتقرير هذا القول على هذا الوجه يحتاج عند من أثبت الحسن والقبح العقليين إلى نظر.
  وإنما اشترط الفهم (لاستحالة الامتثال بدونه) إذ الامتثال الإتيان بالفعل على قصد الطاعة، ويستحيل ممن لا شعور له بالأمر قصد الفعل امتثالاً للأمر
(قوله): «درجة التمييز. إلخ» يعني وإن لم يكمل له البلوغ الشرعي، فلا يقوم حجة على عدم تكليف المميز. وقد قيل في جواب ما ذكره المؤلف #: إن قوله ÷: «حتى يبلغ)) وإن كان مطلقاً فهو مقيد بقوله تعالى[١]: حتى يبلغ الحلم، فيحمل عليه، فحينئذ يقوم حجة.
(قوله): «وتقرير هذا القول» أي: الثاني، وهو أن المميز غير مكلف وإن فهم فهم كامل العقل.
(قوله): «على هذا الوجه» وهو قوله: والوجه أنه لما كان العقل والفهم فيه خفياً ... إلخ.
(قوله): «إلى نظر» وذلك لأنه إذا كان العقل مستقلاً بمعرفة الحسن والقبح كان ذلك علامة له ولم يكن حصوله خفياً ولم يحتج إلى جعل البلوغ ضابطاً، كذا نقل.
(قوله): «قصد الفعل امتثالاً» إذ قد يصدر الفعل عن الغافل عن الأمر اتفاقاً، وذلك غير كاف في سقوط التكليف، بل لا بد من قصد الامتثال، لئلا يتوهم أن ذلك إذا جاز فربما علم الله منه ذلك فكلفه فلا يكون تكليف المحال.
(١) حديث: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم عن عائشة. وقال ÷: «رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم)) أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم عن علي # وعمر. وما في الأصل رواه محمد، وهو في المجموع عن علي #.
[١] التلاوة «وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم». اهـ وفي حاشية: بل في كثير من الأخبار «حتى يحتلم». (حسن بن يحيى). كما في المنتقى من حديث عائشة عن النبي ÷: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)) رواه أحمد، ومثله من رواية علي ¥ له ولأبي داود والترمذي وقال: حديث حسن. (عن خط العلامة أحمد بن محمد السياغي).