هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في بيان المحكوم عليه وأحكامه

صفحة 710 - الجزء 1

  بلوغه، فاعتبر طلاق السكران لوقوع الفراق عقوبة⁣(⁣١) له عند بعض أصحابنا، وعند الآخرين لا يقع.

  وقال الإمام يحيى بن حمزة: الخلاف فيما إذا بقي له بعض تمييز، وأما إذا صار كالنائم لا يميز بين الأرض والسماء فلا يقع طلاقه وفاقاً، وحينئذ لا حجة لهم فيه؛ لبقاء التكليف مع التمييز.

  احتجوا ثانياً بقوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}⁣[النساء: ٤٣]، وهذا نهي لمن لا يعلم، وهو تكليف، فقد كلف من لا يعلم.

  (و) الجواب: أن قوله تعالى: ({لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}) ظاهر في مقابلة قاطع⁣(⁣٢) فوجب تأويله، فهو (إما نهي عن السكر عند قصد الصلاة⁣(⁣٣)) مثل: لا تمت وأنت ظالم، فإن معناه: لا تظلم فتموت وأنت ظالم⁣(⁣٤)


(قوله): «عقوبة له عند بعض أصحابنا» قد أورد عليه أنه إنما يتم حيث شربه تعدياً، والأولى الاستدلال بعموم الأدلة، وبقول علي كرم الله وجهه: «طلاق السكران واقع»، لكن هذا التعليل لا يدفع الاستدلال به على لزوم تكليف من لا يفهم، فالأولى في الجواب اعتماد ما ذكره الإمام يحيى #.

(قوله): «لا تمت وأنت ظالم» جعل هذا المثال أصلاً لما نحن فيه للقطع بالتأويل فيه؛ لأن الموت غير مقدور، مع أنه كائن البتة، فليس المقصود النهي عنه في حال الظلم، بل إنما المنهي عنه الكون على تلك الحال.

ولعل الكلام يكون كناية؛ فإن طلب الامتناع عن قرب الصلاة في حال السكر يردفه ويلزمه طلب الامتناع عن الكون على تلك الحال عند قصد الفعل، والله أعلم.


(١) إذا كان على جهة العقوبة فلعله إذا شربه متعدياً لا مكرهاً أو نحوه، وقد أشار إلى مثل ذلك بعض أصحابنا.

(*) الظاهر أن بعد جعل الطلاق سبباً لا يليق هذا ولا الفرق بين ما بقي له بعض تمييز أو لا، فانظر. (سيدي صفي الدين).

(٢) وهو قوله تعالى: {أقيموا الصلاة}. وفي حاشية: وهو أن الفهم شرط التكليف.

(*) في المطبوع: القاطع.

(٣) أي: القربان لها، لا النهي عن الصلاة حالة السكر فلا يكون الخطاب للسكران. (منتخب).

(٤) وقوله تعالى: {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ١٠٢}⁣[آل عمران]، فإن القيد مناط النفي غالباً. (فصول بدائع).