[ذكر سبب التأليف]
  أن التي خبرها مفرد يتضمن الاستفهام كأين زيد وكيف عمرو كذلك.
  وأجيب بالفرق، فإن الاستفهام في نحو: أين زيد؟ داخل على النسبة بين المبتدأ والخبر المقدر لا على الخبر وحده، فإن المعنى: أفي الدار زيد أم في السوق؟ ولولاه لما وجب تقديم متضمن الاستفهام كما لم يجب في نحو: زيد أين هو؛ لأن الإنشاء فيه وفيما نحن فيه داخل على الخبر وحده، وأما تصحيح عطف الإنشاء على الأخبار فلا حجة له.
(قوله): «وأما تصحيح عطف الإنشاء على الأخبار فلا حجة له» يعني بغير تأويل فلا حجة له، أشار بهذا إلى ما ذكره في مغني اللبيب من أن الصفار وجماعة أجازوا عطف الإنشاء على الإخبار وبالعكس مستدلين بقوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا}[البقرة: ٢٥]، في سورة البقرة، قال أبو حيان: وأجاز سيبويه جاءني زيد ومن عمرو العاقلان على أن يكون العاقلان خبراً لمحذوف، قال: ويؤيده قول امرئ القيس:
وإن شفائي عبرة مهراقة ... وهل عند رسم دارس من معول
وقوله:
تناغي غزالاً عند باب ابن عامر ... وكحل أماقيك الحسان بإثمد
قال: واستدل الصفار بهذا البيت وبقوله: وقائلة خولان فانكح فتاتهم. فإن تقديره عند سيبويه: هذه خولان، وقد أجيب عن ذلك: أما عطف {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} فلا حجة فيه؛ لأن ذلك من عطف القصة على القصة، ذكره الزمخشري حيث قال: ليس المعتمد بالعطف الأمر حتى يطلب له مشاكل من أمر أو نهي يعطف عليه، إنما المعتمد بالعطف جملة وصف ثواب المؤمنين، فهي معطوفة على جملة وصف عقاب الكافرين[١] فيعتبر حينئذ المناسبة بين القصتين دون آحاد الجمل الواقعة فيهما، فالمعطوف هاهنا مجموع وصف ثواب المؤمنين كما فصل في قوله: «وبشر الذين ... إلى خالدين» على مجموع وصف عقاب الكافرين كما فصل في قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ ..}[البقرة: ٢٣] إلى: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ٢٤}[البقرة]، لا الجملة الأمرية التي هي بشر. ذكره السيد المحقق في حواشي الكشاف.
إذا عرفت ذلك فعطف القصة على القصة وجه للعطف حسن دقيق اعتبره صاحب الكشاف لا يلزم منه جواز عطف الإنشائية على الإخبار، قال صاحب المغني: وأما ما نقله أبو حيان عن سيبويه فغلط عليه، وإنما قال: واعلم أنه لا يجوز: مَن عبدالله وهذا زيد الرجلين الصالحين، رفعت أو نصبت؛ لأنك لا تبني الصفة إلا على من أثبته وعلمته، ولا يجوز أن تخلط من تعلم ومن لا تعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة، وقال الصفار: لما منعها سيبويه من جهة النعت علم أن زوال النعت يصححها، فوهم أبو حيان من كلام الصفار[٢]، ولا حجة فيما ذكر الصفار؛ إذ قد يكون للشيء مانعان ويقتصر على ذكر أحدهما لأنه الذي اقتضاه المقام.
وأما: وهل عند رسم دارس من معول فهل فيه نافية مثلها في: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ٣٥}[الأحقاف]، وأما: هذه خولان، فمعناه: تنبه لخولان[٣]، أو الفاء للسببية مثلها في جواب الشرط؛ =
[١] قوله: «على جملة وصف عقاب الكافرين» إلى هنا لفظ الكشاف، ثم قال: كما تقول: زيد يعاقب بالقيد والإزهاق وبشر عمراً بالعتق والإطلاق، ولك أن تقول: هو معطوف على قوله: فاتقوا، كما تقول: يا بني تميم احذروا عقوبة ما جنيتم، وبشر يا فلان بني أسد بإحساني إليهم. وفي قراءة زيد بن علي # وبشر على لفظ المبني للمفعول عطفاً على أعدت. انتهى لفظ الكشاف.
[٢] لفظ المغني: فتصرف أبو حيان في كلام الصفار فوهم فيه.
[٣] قوله: «فمعناه: تنبه لخولان» فالمعطوف عليه أمر في المعنى. (ح ن).