هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[ذكر سبب التأليف]

صفحة 74 - الجزء 1

  (ورتبته على مقدمة وثمانية مقاصد⁣(⁣١)) الترتيب في اللغة: جعل كل شيء في مرتبته. وفي الاصطلاح: جعل الأشياء المتعددة بحيث يطلق عليها


= وإذ قد استدلا بذلك فهلا استدلا بقوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ}⁣[الكوثر]، ونحوه في التنزيل كثير. وأما: وكحل أماقيك فيتوقف على النظر فيما قبله من الأبيات، وقد يكون معطوفاً على مقدر يدل عليه المعنى، أي: ما فعل كذا وكحل كما في قوله تعالى: {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ٤٦}⁣[مريم]، وقد نقل الشلبي عن التفتازاني أنه أشار إلى جواز عطف الإخبار على الإنشاء في قوله: {يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا}⁣[الأنعام: ٢٧]، قال: وإنما ينتهض لو كان قوله: ولا نكذب عطفاً على مجموع التمني، لكنه يحتمل العطف على «نرد»، والمعنى على تمني مجموع الأمرين الرد وعدم التكذيب، وأن يكون حالاً، وذلك ظاهر.

قال الشلبي: وقد نص التفتازاني في أول أحوال المسند إليه على جواز: ليت زيداً قائم وعمرو منطلق بعطف الجملة الثانية على مجموع الجملة الأولى، ورده بأنه لم يستدل على تصحيحه وثبوت نقله عن العرب؛ لأنه إنما قال: كما تقول: ليت زيداً قائم وعمرو منطلق، فأراد مجرد التمثيل لا تصحيح المثال.

(قوله): «ورتبته على مقدمة وثمانية مقاصد» المراد ترتيب المقصود في الكتاب فلا يضر خروج الخطبة، وأما المقدمة فهي وإن لم تكن مقصودة في العلم فهي مقصودة في الكتاب، وأما الأبحاث الثلاثة فهي تابعة للمقدمة كما صرح بذلك المؤلف في أول المقصد الأول حيث قال: ولما فرغ من المقدمة وما يتبعها من الأبحاث المحتاج إليها في هذا العلم، فلما كانت تابعة للمقدمة أطلقت عليها هاهنا تغليباً لاحتياج المقاصد إليها كالمقدمة، وقد أشار إلى ذلك المؤلف في شرح قوله: وهاهنا أبحاث.

لا يقال: إن المؤلف # أخرجها عن المقدمة حيث قال فيما يأتي: والمذكور في المقدمة حد العلم وغايته وموضوعه فيلزم أن لا يشملها هذا التقسيم؛ لأنا نقول: قصد بالمقدمة فيما يأتي ما هو المشهور في الإطلاق، وهاهنا قصد بها ما يشمل ما هو من توابعها تغليباً، ويؤيد ما ذكرنا قوله فيما يأتي: ولما فرغ من الأمور الثلاثة التي توجب ازدياداً في البصيرة أخذ في ثلاثة مباحث حيث لم يقل: ولما فرغ من المقدمة.

(قوله): «الترتيب في اللغة جعل كل شيء في مرتبته» هكذا في شرح الرسالة للقطب والسعد، ومثله في شرح التلخيص، واعترض الشيخ هذه العبارة في حواشيه حيث قال: ولا تخلو العبارة عن شيء، ولو قال: جعل الشيء في مرتبته لكان أليق. ولعل وجهه أن الحد يجب صدقه على كل فرد من أفراد المحدود، وهو لا يصدق بصيغة العموم على المحدود، فإن الترتيب اللغوي يتحقق بوضع الشيء في مرتبته ولو واحداً، وقد اعترضوا بمثل هذا⁣[⁣١] على قول ابن الحاجب في مبادئ اللغة: كل لفظ وضع لمعنى. والفرق بين معناه لغة واصطلاحاً أن الترتيب في اللغة يتحقق بوضع شيء واحد في مرتبته التي تليق به وتناسبه أو بوضع شيئين فصاعداً كل في مرتبته وإن لم يطلق اسم الواحد، وفي الاصطلاح لا يتحقق إلا بين شيئين فصاعداً مع إطلاق اسم الواحد عليها من غير اعتبار جعل كل في مرتبته التي تليق به كما صرح بذلك السعد فيما يأتي قريباً إن شاء الله تعالى.

(قوله): «وفي الاصطلاح جعل الأشياء ... إلخ»: المراد ما فوق الواحد كما هو المراد بكل جمع مستعمل في التعريفات، وعبارة السعد في شرح الرسالة: جعل شيئين فصاعداً ... إلخ.


[١] قوله: «وقد اعترضوا بمثل هذا ... إلخ» الذي اعترض به على ابن الحاجب زيادة لفظ «كل» في حد الموضوع؛ إذ هي تفيد تعدد الأفراد فيصير الحد للأفراد، والحد إنما هو للماهية، وبالماهية وقد اعترض عليه بمثل هذا الاعتراض على قوله في الكافية: كل ثان، وقد اعتذر له الشارح الجامي بخلاف ما هنا، فإن كل داخلة على متعلق الجعل فلم يصدق الحد لصيغة العموم على المحدود، فالاعتراضان متغايران فتأمل، والله أعلم. (إملاء معنى لشيخنا. (ح ن).