[مسألة في تعلق الخطاب بالمعدوم]
  ومعنى تعلقه به أن المعدوم(١) الذي علم الله تعالى أنه يوجد بشرائط التكليف توجه عليه حكم في الأزل بما يفهمه ويفعله فيما لا يزال(٢)، وكلامهم متردد في أن معناه أن المعدوم مأمور في الأزل بأن يمتثل(٣) ويأتي بالفعل على تقدير الوجود، أو أن المعدوم ليس بمأمور في الأزل لكن لما استمر الأمر الأزلي إلى زمان وجوده صار بعد الوجود مأموراً (و) هذه القاعدة (بطلانها في) علم (الكلام(٤)).
  والحاصل في هذه المسألة: أن أرباب الملل والمذاهب اتفقوا على أن الباري تعالى متكلم، ولكنهم اختلفوا في معنى كلامه وفي قدمه وحدوثه(٥)، فقالت
(١) هذا من إثبات الذوات في العدم، والأشعرية لا تقول به فينظر. (لي) ... ليس هذا من إثبات الذوات كما هو معلوم، وانظر علم الكلام.
(٢) وهو المستقبل. (عضد).
(٣) بالحكم القديم الذي تعلق به قبل وجوده لا بأمر آخر متجدد؛ لأن تجدد القديم محال، والمتجدد إنما هو الدال على القديم. (من خط المولى ضياء الدين |).
(٤) قال الجامي في الدرة الفاخرة: قال الإمام حجة الإسلام: الكلام على ضربين: أحدهما مطلق في حق الباري تعالى، والثاني في حق الآدميين، أما الأول فهو صفة من صفات الربوبية، فلا تشابه بين صفات الباري تعالى وصفات الآدميين، فإن صفات الآدميين زائدة على ذواتهم لتكثر وحدتهم وتقوم أبنيتهم بتلك الصفات وتعين حدودهم ورسومهم بها، وصفة الباري تعالى لا تحد ذاته ولا ترسمه، فليست إذاً شيئاً زائدة عليه، فالعلم هو حقيقة هويته، ومن أراد أن يعد صفات الباري تعالى فقد أخطأ، فالواجب على العاقل أن يتأمل ويعلم أن صفات الباري لا تتعدد ولا ينفصل بعضها عن بعض إلا في مراتب العبارات وموارد الإشارات، فإذا أضيف علمه إلى استماع دعوة المضطرين يقال له: سميع، وإذا أضيف إلى رؤية ضمير الخلق يقال له: بصير، وإذا أفاض من مكنون علمه على قلب أحد أسرار ربوبيته يقال: متكلم، فليس بعضه آلة السمع وبعضه آلة البصر وبعضه آلة الكلام، فإذا كلام الباري ليس شيئاً سوى إفادته مكنونات علمه على من يريد إكرامه كما قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}[الأعراف: ١٤٣]، أي: شرفه الله بقربه، وقربه بقدسه، وكلمه بعلم ذاته.
(٥) وقيامه بذاته.
(*) ثم إن هاهنا قياسين متعارضين: أحدهما: أن كلام الله صفة له، وكل صفة له فهو قديم، فكلامه تعالى قديم. وثانيهما: أن كلامه مؤلف مترتب متعاقب في الوجود، وكل ما هو كذلك فهو حادث، فكلامه تعالى حادث، فافترق المسلمون إلى فرق أربع، فرقتان منهم ذهبوا إلى صحة القياس الأول، وقدحت واحدة منهما في صغرى القياس الثاني، وقدحت الأخرى في كبراه، وفرقتان آخرتان ذهبوا إلى صحة الثاني وقدحوا في إحدى مقدمتي الأول على التفصيل المذكور [في الفرقتين الأولتين هناك]. (شرح مواقف).