فصل: في بيان المحكوم عليه وأحكامه
  الحنابلة والحشوية: كلامه تعالى حروف وأصوات قديم قائم بذاته، وبالغوا حتى قال بعضهم: الجلد(١) والغلاف أيضاً قديمان فضلاً عن المصحف.
  ووافقهم الكرامية في المعنى وخالفوهم في القدم، فقالوا: إنها حادثة قائمة بذاته تعالى؛ لتجويزهم قيام الحوادث بذاته تعالى.
  ووافقهم أيضاً الأشاعرة في القدم وخالفوهم في المعنى، فقالوا: كلامه تعالى ليس من جنس الأصوات والحروف، بل هو معنى قائم بذاته تعالى يسمى الكلام النفسي، وهو مدلول الكلام اللفظي المركب من الحروف، وهو قديم.
  ووافقهم أيضاً أصحابنا والمعتزلة في المعنى وخالفوهم في القدم والقيام بذاته تعالى، فقالوا: كلام الله تعالى حروف وأصوات(٢) حادثة ليست قائمة بذاته
(قوله): «ووافقهم» أي: الحنابلة والحشوية «أيضاً أصحابنا في المعنى» أي: في أنه حروف وأصوات.
(١) قال سعد الدين في شرح العقائد: فإن قيل: الأمر والنهي بلا مأمور ولا منهي سفه وعبث، والإخبار في الأزل بطريق المضي كذب محض يجب تنزيه الله تعالى عنه. قلنا: إن لم نجعل كلامه في الأزل أمراً ونهياً وخبراً فلا إشكال، وإن جعلناه فالأمر في الأزل لإيجاب تحصيل المأمور به في وقت وجود المأمور وصيرورته أهلاً لتحصيله، فيكفي وجود المأمور في علم الآمر، كما إذا قدر الرجل ابناً له فأمره بأن يفعل كذا بعد الوجود، والإخبار بالنسبة إلى الأزل لا يتصف بشيء من الأزمنة؛ إذ لا ماضي ولا مستقبل ولا حال بالنسبة إلى الله؛ لتنزهه عن الزمان، كما أن علمه أزلي لا يتغير بتغير الزمان.
(*) قال السعد: وهو جهل وعناد. قال قرة كمال: وكفى في جهلهم ما نقل عن بعضهم أن الجلد والغلاف أزليان، وعن بعضهم: أن الجسم الذي كتب به القرآن فانتظم حروفاً ورقوماً هو بعينه كلام الله، وقد صار قديماً بعدما كان حادثاً. اهـ أقول: صحح النقل وتلطف الفرمي فقال: الحنابلة قالوا: كلام الله تعالى غير الحروف المؤلفة والأصوات، ومع ذلك فهي قديمة؛ لأن كلام الله مسموع؛ لقوله: «حتى يسمع كلام الله»، وقد دل الدليل على أن كلام الله قديم، فكذلك الحروف المسموعة. (حواشي شرح العقائد).
(٢) عبارة مختصر الصحائف للعبدي: لكن المعتزلة ذهبت إلى أنها حادثة قائمة بغير الله تعالى، وقالوا: معنى كونه متكلماً كونه موجداً لهذه الحروف والأصوات الدالة على المعاني في أجسام مخصوصة، وقال أبو الهذيل: بل قوله تعالى للشيء: {كن} عرض حادث لا في محل، وسائر كلامه عرض حادث في جسم من الأجسام.
(*) دليل أصحابنا على حدوث القرآن الاتفاق على أن القرآن اسم[١] لما نقل إلينا بين دفتي المصاحف تواتراً، وهو يستلزم كونه مكتوباً في المصاحف مقروءاً بالألسن مسموعاً بالآذان، وكل ذلك من سمات الحدوث. (شرح عقائد).
[١] لفظ شرح العقائد: ومن أقوى شبه المعتزلة: أنكم متفقون على أن القرآن اسم ... إلخ.