فصل: في بيان المحكوم عليه وأحكامه
  تعالى، بل خلقه في غيره(١)، ومعنى كونه متكلماً أنه خلق الكلام في بعض الأجسام.
  فإن قيل: لا يلزم بمجرد خلق الكلام أن يوصف بكونه متكلماً كما لا يلزم من خلق الجسم أن يوصف بكونه متجسماً(٢).
  قلنا: خلق الكلام يختص من بين أنواع الخلق باسم التكلم(٣)، فيكون المتكلم خالق الكلام بلا إشكال.
(قوله): «بل خلقه في غيره» كجبريل # والنبي ÷، فخلقه فعل ماض، ويصح إطلاق خالق عليه تعالى وإن لم يقم الخلق به؛ لأن الخلق المخلوق بناء على ما مر من صحة اشتقاق[١] اسم الفاعل لغير ذي المعنى.
(قوله): «متجسماً» لم يقل: مجسماً من جسم لأن الأول هو نظير متكلم، لا الثاني فهو بمعنى جعله جسماً لا بمعنى قامت به الجسمية. فإن قيل: ما ذكره المؤلف # في متكلم من تكلم فما حكم مكلم من كلم؟ قلت: الظاهر أنه كمتكلم بمعنى خالق الكلام كما ذكره في تذكرة ابن متويه، إلا أنه قال: لا يكفي في مكلم مجرد خلقه للكلام، بل لا بد مع ذلك من كونه قاصداً به خطاب الغير، فهو أخص من متكلم.
(قوله): «من بين أنواع الخلق» يعني كخلق الحركة وخلق الجسم والبياض ونحو ذلك، فإنه إنما يقال لخلق هذه الأشياء: خالق لا متحرك وأبيض.
(قوله): «باسم التكلم» الإضافة بيانية، يعني ولا يقال: لإيجاد الكلام خلقاً ولا للفاعل له خالقاً.
ووجه الاختصاص أنه قد ثبت إطلاق المتكلم عليه تعالى، وقد قام البرهان على امتناع قيام الكلام اللفظي به تعالى، فلزم القول بأن معنى المتكلم في حقه خالق الكلام في جسم، ولم يثبت الإطلاق عليه تعالى في مثل المتحرك والأسود والأبيض.
(قوله): «بلا إشكال» إشارة إلى أن منع ذلك مكابرة لا تسمع؛ لقيام البرهان على الامتناع كما عرفت، لكن ما ذكر مبني على تقدير تسليم أن المراد بالتكلم خلق الكلام اللفظي، والمراد عندهم النفسي، لكن سيأتي إبطاله، فيتعين اللفظي.
(١) وإنما قالوا: خلقه في غيره لأن الكلام عرض لا بد له من محل، والباري تعالى ليس محلاً للأعراض، فتعين اشتراط المحل عندهم. (علم شامخ).
(٢) قلنا: هذا مبحث لفظي لا يعتد به في المباحث العقلية، وإذا قام الدليل على امتناع كونه متكلماً بالمعنى اللغوي فلا يتم دليلكم على المعنى القائم بالذات، فلا بد من التأويل والصرف عن الظاهر.
(٣) وهو حدث صالح للاشتقاق، بخلاف الجسم فهو جثة فلم يشتق منه. (عن خط العلامة محمد بن إسحاق). وفي حاشية ما لفظه: حاصله أنهم قالوا: يلزم إذاً أن يسمى بخلقه الجسم متجسماً والحجر متحجراً ونحو ذلك. قلنا: لا يسمى الله بلفظ لا يفيد المدح وهو يوهم الخطأ، ولم يطلق تعالى على ذاته إلا أنه متكلم، فوصفناه به دون ما عداه.
[١] قد تقدم الخوض فيه، فهو دخيل في هذا المقام. (ح عن خط شيخه).