فصل: في بيان المحكوم عليه وأحكامه
  واستدل على ذلك بوجوه كثيرة(١) حاصلها: أن كلام الله تعالى هو المؤلف من الحروف المسموعة، والأشاعرة لا ينازعون في حدوث المؤلف منها كما صرحوا به في أثناء دليلهم الآتي، فلا حاجة إلى ذكرها.
  واستدل الأشاعرة بأن المتكلم من قام به الكلام، لا من أوجد الكلام ولو في محل آخر؛ للقطع بأن موجد الحركة في جسم آخر لا يسمى متحركاً، وأن الله تعالى لا يسمى بخلق الأصوات مصوِّتاً(٢)، وأنا إذا سمعنا قائلاً يقول: «أنا قائم» نسميه المتكلم وإن لم نعلم أنه الموجد لهذا الكلام، بل وإن علمنا أن موجده هو الله تعالى، وحينئذ فالكلام القائم بذات الباري تعالى لا يجوز أن يكون هو الحسي، أعني المنتظم من الحروف المسموعة؛ لأنه حادث ضرورة أن
(قوله): «واستدل على ذلك بوجوه كثيرة» أي: استدل أصحابنا على أن كلام الله حروف وأصوات حادثة بوجوه كثيرة، منها: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}[الأنبياء: ٢]، ومنها: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٨٢}[يس] ... الآية، فإن قوله (كن) متأخر عن الإرادة الحادثة، والمتأخر عن الحادث حادث. ومنها: أن النسخ واقع في القرآن، وهو رفع أو انتهاء، ولا شيء منهما يتصور في القديم؛ لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه، وغير ذلك. وقد أجاب في المواقف[١] بمثل ما ذكره المؤلف حيث قال: إنها تدل على حدوث الألفاظ، وهو غير المتنازع فيه. ثم قال: فلا يكون للمعتزلة فيها حجة إلا أن يبرهنوا على عدم المعنى الزائد على العلم والإرادة حتى لا يثبت كلام نفسي مغاير لباقي الصفات. قلت: وقد برهن المؤلف # على ذلك في آخر البحث بقوله: ثم لا نسلم أن ذلك غير الإذعان ... إلخ فتأمله، والله أعلم.
(قوله): «بأن المتكلم من قام به الكلام» بناء على أنه لا يشتق اسم الفاعل لغير ذي المعنى، وفيه النزاع كما تقدم.
(قوله): «ولو في محل آخر» زيادة «ولو» يختل بها المعنى، وتأويلُها بأن المراد ولو في غير نفس الموجد للكلام بأن لا يتحد محل الكلام والاتحاد بعيدٌ وغير مفيد.
(قوله): «وإن لم نعلم ... إلخ» بأن جوزنا أن الله خلق الكلام، ولا يخفى بعد هذا الفرض[٢].
(قوله): «وحينئذ» أي: حين أن عرفت أن المتكلم من قام به الكلام مع إطلاقه على الله تعالى.
(١) ذكر بعضاً منها سيلان |، وكانت ثابتة بخط المؤلف | ثم ضرب عليها وجعل عوضها قوله: (حاصلها ... إلخ).
(٢) ولا يصح اتصاف الباري تعالى بالأعراض المخلوقة له تعالى. (سعد).
[١] قوله: «وقد أجاب في المواقف» لعله يشير إلى أن المؤلف ذكره في قوله: حاصلها أن كلام الله هو المؤلف ... إلخ فتأمله. (ح عن خط شيخه).
[٢] لا بعد في الفرض على مراد الأشاعرة في إقامة الحجة تأمل. (ح عن خط شيخه).