هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في بيان المحكوم عليه وأحكامه

صفحة 717 - الجزء 1

  الذي يجده في نفسه ويدور في خلده ولا يختلف باختلاف العبارات ويقصد المتكلم حصوله في نفس السامع هو الذي نسميه كلام النفس وحديثها.

  هذا دليلهم في إثبات الكلام النفسي أوردناه مبسوطاً، ولا تخلو قواعده⁣(⁣١)


(قوله): «ولا يختلف باختلاف العبارات ... إلخ» يعني أن العبارات تختلف بالأزمنة والأقوام والإنشاء والإخبار ولا يختلف ذلك المعنى النفسي، بل لا تنحصر الدلالة عليه في الألفاظ؛ إذ قد تدل الإشارة والكتابة⁣[⁣١]، والمعنى القائم بالنفس واحد لا يتغير. قال في شرح المختصر وحواشيه: وهو نسبة بين أمرين قائمة بالمتكلم. والظاهر أنهم قصدوا بما ذكروه هنا وكذا بقولهم فيما يأتي: لا يتغير بتغير العبارات وكذا قولهم: تعبيرات عن واحد - بيان مغايرة الكلام النفسي لمدلولات الألفاظ، فإنه سيأتي عنهم أن الكلام النفسي ليس عين مدلول اللفظ؛ إذ مدلول اللفظ⁣[⁣٢] يتغير بتغير اللفظ إلى ماض ومستقبل وأمر ونهي وخبر واستخبار وغير ذلك. فإذا ثبت أنه متحد في الشاهد ثبت مثله في الغائب، ولعلهم أرادوا بذلك دفع ما يرد عليهم في حق الغائب تعالى من أنه لو ثبت الكلام النفسي وقام به تعالى في الأزل مع اختلافه وانقسامه باعتبار الاختلاف إلى أمر ونهي وخبر واستخبار وماض ومستقبل لزم منه تعدد القديم، وهو محال، فوافق المذكور هاهنا ما ذكره في شرح المختصر وحواشيه من أن كلامه تعالى غير منقسم في الأزل إلى أمر ونهي وخبر، بل هي حادثة. فورد عليهم: أن هذه الأقسام أنواع لجنس الكلام، والجنس لا يوجد إلا في ضمن نوع، فأجابوا بمنع كونها أنواعه، بل عوارضه بحسب التعلق، فانقسامه إليها بحسب اعتبار التعلقات لا باختلاف الذاتيات، والتعدد الاعتباري لا يوجب المحال، كالإبصار فإنه وصف واحد لا يتعدد في الوجود بكثرة المبصرات، وإنما يتعدد تعلقه، فكذا الكلام النفسي من حيث تعلق بما لو فعل استحق فاعله المدح وتاركه الذم يسمى أمراً، وبالعكس نهياً، وعلى هذا القياس، مثلاً الخبر عن إرسال نوح # واحد، ويعبر عنه قبل إرساله بأنا سنرسله، وبعده بأنا أرسلناه. قلت: لكن قولهم فيما سبق: «يجد في نفسه معاني» منافٍ لما ذكروه؛ إذ ما سبق صريح في تعدد الكلام النفسي، فلا يخفى ما في كلامهم من الانضراب، والله أعلم.

(قوله): «ولا تخلو قواعده» أي: قواعد دليلهم، ولم يذكر المؤلف # إلا قاعدتين، وكأنه أطلق الجمع على الاثنين مجازاً⁣[⁣٣].


(١) قال السعد في شرح حواشي العقائد: إذ قد يخبر الإنسان عما لا يعلمه، بل يعلم خلافه. قال القاضي زكريا: أورد عليه أمران: الأول: أن هذا من قياس الغائب على الشاهد، وهو باطل، ثم أجاب عنه. الثاني: أن ما ذكره إنما يدل على مغايرته للعلم اليقيني لا العلم المطلق الشامل للتصور والتصديق؛ لأن كل عاقل تصدى للإخبار تحصل في ذهنه صورة ما يخبر به بالضرورة. وجوابه: أن الكلام النفسي الذي يجده المخبر حين الخبر ليس هو العلم بمعنى حصول الصورة على ما ذكرت كما يدل عليه الوجدان، فإن الذي يزيل الإشكال في هذا المقام مراجعة الوجدان، فنجد الشاك منا يتصور النسبة وطرفيها، ومن لم يقصد الإخبار لم يجد ذلك المعنى المسمى بالكلام النفسي، وإذا قصد الإخبار وجد ذلك المعنى مع عدم العلم بوقوع النسبة، فقد ظهر أن ذلك ليس شيئاً من العلوم. اهـ قيل: أما التصورية فلانفكاكه عنها، وأما التصديقية فلتحققه بدونها. (حواشي عقائد).


[١] في شرح المواقف: إذ قد يدل عليه بالإشارة والكتابة.

[٢] يحقق هذا؛ فإن الظاهر عندهم أن الكلام النفسي يتغير بتغير الانتقال إلى هذه المعاني، فهو مثل اللفظي، وإنما يتحقق عدم تغير المعنى النفسي في أحد هذه الأشياء كالأخبار وإن تعددت وتغايرت العبارات، بخلاف اللفظي، والله أعلم. (حسن بن يحيى ح).

[٣] لا يلزم في بيان الخلل بشيئين أن لا يكون المتقدم إلا قاعدتين. (ح عن خط شيخه). إذ قد يترتب بعضها على بعض فيبطل بإبطال المتوقف - يعني بالفتح - المتوقف أراد بالكسر. (حسن بن يحيى من خط العلامة أحمد بن محمد). وفي حاشية: قوله: فمن ذلك ومن ذلك قاض باستعمال الجمع في مدلوله الحقيقي، فلا غبار على عبارته. (وزير ح).