فصل: في بيان المحكوم عليه وأحكامه
  عن خلل، فمن ذلك قولهم: المتكلم من قام به الكلام ... إلخ، قال السيد المحقق: الكلام هيئات وكيفيات عارضة للصوت القائم بالهواء المتحرك حركة مخصوصة(١)، فيكون الكلام قائماً بالهواء(٢)، والهواء ليس قائماً بالمتكلم(٣)
(قوله): «الكلام هيئات ... إلخ»: هذا لازم من كلامه في شرح المواقف حيث قال: الحروف كيفيات وهيئات عارضة للأصوات. وهو مقتضى ما نقله عن بعضهم من أن الحروف كيفية وهيئة عارضة له. وكلام نجم الأئمة في مخارج الحروف حيث قال: لأن الصوت الساذج الذي هو محل الحروف والحروف هيئة عارضة له. وكلام المؤلف # قريب مما في حاشية الشلبي حيث قال معترضاً على المطول: هذا مبني على أن اللفظ صوت يعتمد على مخارج الحروف: والمختار أنه كيفية تحدث في الهواء من تموجه، ذكره في بحث: وكثيراً ما يسمى ذلك فصاحة.
(قوله): «المتحرك» أي: الهواء «حركة مخصوصة» أشار بهذا إلى ما ذكروا من أن تموج الهواء ليس حركة انتقالية من هواء واحد بعينه، بل هو صدم بعد صدم، فهو حالة شبيهة بتموج الماء في الحوض إذا ألقي حجر في وسطه، فأراد المؤلف # بالحركة المخصوصة هذا التموج، فإنه كحركة جسم منتقل جميعه دفعة من مكان إلى مكان. قالوا: وهذا التموج ليس هو الصوت، بل هو سبب قريب للصوت، وسبب التموج قلع عنيف أو قرع عنيف، وتمام تحققه يؤخذ من موضعه.
(قوله): «فيكون الكلام قائماً بالهواء» أي: بواسطة قيامه بالصوت، لكن يلزمهم قيام المعنى بالمعنى. وقد أجاب الشلبي عن ذلك: بأن الحروف ليست أموراً موجودة، فلا يلزم قيام العرض بالعرض الممنوع عند المتكلمين.
(١) انتهى كلامه، كذا في بعض النسخ، وقوله: «فيكون الكلام» شروع في الرد.
(٢) تحقيق النقض لما ذكره الشريف لأصل استدلالهم - وهو قولهم: إن المتكلم من قام به الكلام - أنه جعل الكلام اللفظي قائماً بالهواء، والمتكلم محدثه، والهواء غير المتكلم، أما إذا أريد به الهواء الخارج عن بدن الإنسان فواقع. وأما إن أريد به الهواء الذي مبدؤه صدر المتكلم ومنتهاه صماخ السامع فإن هذا المجموع غير المتكلم قطعاً، فلا يكون القائم بالهواء قائماً بالإنسان حتى يكون القائم به قائماً بالإنسان؛ لأن القيام بالشيء من أحكام الأعراض، والهواء جسم، فصح أن المتكلم بالكلام اللفظي لم يشتق له هذا الاسم من الكلام، بل من التكلم، وهو تقطيع الصوت وتمييزه بالاعتماد على المخارج حتى تحصل له الهيئة المخصوصة، فإذا صح اشتقاق المتكلم من التكلم وهو غير الكلام لم يصح إثبات الكلام النفسي، فلا ضرورة توجب إثبات الكلام النفسي لتصحيح اشتقاق المتكلم في حق الباري تعالى؛ لصحة اشتقاقه من التكلم الذي هو إيجاد الكلام يخلقه في محل غيره وهو الهواء، لا سيما مع تهافت دليلهم في إثبات الكلام النفسي في حق الإنسان كما ذكر في حواشي شرح العقائد، والله أعلم.
(٣) لكونه جسماً.