فصل: في بيان المحكوم عليه وأحكامه
  حتى يقال: ما قام به قائم بالمتكلم بالواسطة، فإذاً نسبة الكلام إلى المتكلم ليس لقيامه به، بل لأنه يعين الحروف ويميز بعضها عن بعض، وكذا الكلمات والتركيب، وعلى هذا لا يصح تفسير المتكلم بمن قام به الكلام، بل بمن قام به التكلم الذي هو التعيين والتمييز، ونظير ذلك أن المتعلم من قام به التعلم لا من قام به العلم؛ لظهور أن مبدأ الاشتقاق فيهما هو التكلم والتعلم لا الكلام
(قوله): «بل لأنه يعين الحروف ويميز بعضها من بعض» ينظر في تمييز المتكلم[١] لما ليس بقائم به.
وفي شرح الشافية لنجم الأئمة: أن السبب في اختلاف الحروف هو اختلاف مواضع تكون الحروف في اللسان والحلق وغيرهما. انتهى
فينظر هل يلزم من كلامه القيام بالمتكلم[٢]، ولعله يقال: حصل ذلك التمييز من اعتماد اللسان على المخارج، وهو غير دافع للإشكال أيضاً، وينظر هل يلزم من إثبات مخارج الحروف من أقصى الحلق إلى الشفة القيام بالمتكلم أم لا؟ فالمقام محل تأمل.
(قوله): «بل بمن قام به التكلم الذي هو التعيين والتمييز ... إلخ» قد تقدم أن المتكلم عند أصحابنا خالق الكلام، ولعل ما ذكره المؤلف # هنا إلزام للمخالف فقط سنداً لمنع كون المتكلم من قام به الكلام.
لكن يرد: أن المتكلم إذا كان من قام به التعيين والتمييز للحروف الحادثة استحال إطلاقه عليه تعالى، وحينئذ للمخالف أن يقول: وإذا استحال هذا المعنى[٣] وقد أطلق المتكلم عليه تعالى تعين أنه من قام به الكلام النفسي؛ إذ لا ثالث يطلق عليه.
ولو قيل في رد دليل المخالف: إن المتكلم ليس من قام به الكلام النفسي لا لما ذكر، بل لصحة اشتقاق اسم الفاعل لغير ذي المعنى كما قد برهن على ذلك في مسألة المشتق لم يرد عليه ما ذكر، والله أعلم.
(قوله): «لظهور أن مبدأ الاشتقاق فيهما هو التكلم والتعلم» لأن الفعل فيهما وفي المتكلم والمتعلم متحد لفظاً ومعنى، فهما المبدأ. وأما الكلام والعلم فإنهما وإن كان بينهما وبين المتكلم والمتعلم اتصال في المعنى إلا أن ذلك بواسطة التكلم والتعلم. لا يقال: يلزم من التكلم والتعلم العلم والكلام؛ لأنهما الأثران للتكلم والتعلم، وحينئذ يقومان بمن قام به التكلم والتعلم فيعود المحذور؛ لأنه يقال: المقتضي للقيام هو الاشتقاق لا اللزوم، ومبدأ الاشتقاق غيرهما كما عرفت، هذا مع تسليمه أنه لا يشتق اسم الفاعل لغير ذي المعنى فتأمل، والله أعلم.
[١] لا وجه للنظر؛ إذ ظهور التمييز فيما ليس بقائم به أظهر فتأمل، والله أعلم. (ح عن خط شيخه).
[*] - في المطبوع: في تمييز الكلام. ولعل الصواب ما أثبتناه.
[٢] قوله: «هل يلزم من كلامه القيام بالمتكلم» ولعله يقال: إنه وإن فرض قيام الكلام بالمتكلم في حق الإنسان فما نحن فيه لا يقوم بالمتكلم؛ لاستحالته في حق الباري تعالى، وتسميته متكلماً لأجل نسبة التكلم إليه باعتبار أنه التمييز والتعيين للكلام القائم بغيره، فأطلق عليه المتكلم، وهذا كاف في المطلوب، والله أعلم. (حسن بن يحيى من خط العلامة أحمد بن محمد السياغي).
[٣] استحالة الإطلاق نشأت من تفسير المتكلم الذي أريد به المميز والمعين بمن قام به التكلم، ولو فسر بمن صدر عنه ارتفعت؛ إذ الصدور أعم من أن يكون على سبيل القيام كما في الشاهد أو لا كما في الغائب مثل ما ذكره أصحابنا في الإرادة. (محمد زيد ح).