فصل: في بيان المحكوم عليه وأحكامه
  والعلم(١).
  ولما ظهر فساد مبنى الكلام ظهر عدم صحة قولهم: وحينئذ فالكلام القائم إلى آخره، واندفع ما ذكره السيد المحقق في حاشية الكشاف من أنه يمكن أن ينتظم برهان على إثبات الكلام النفسي فيقال: دل الشرع أن الله تعالى متكلم، والمتكلم من قام به الكلام على قاعدة اللغة في المشتقات، فلا بد أن يكون الكلام قديماً؛ لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى، والعبارات حادثة، فله كلام مغاير للألفاظ والعبارات قائم بذاته(٢). [انتهى كلامه. ووجه الاندفاع ظاهر].
  ومن ذلك(٣) قولهم: فالمعنى الذي يجده في نفسه ... إلى آخره، والكلام فيه:
(قوله): «ومن ذلك قولهم» أي: من قواعد استدلالهم المختلة.
(قوله): «والكلام فيه» أي: الكلام في إبطال قولهم المذكور، ثم أشار إلى ما يؤيد بطلانه بقوله: وفي بعض حواشي شرح العقائد ... إلخ. وبيان ذلك: أن الخيالي في حاشيته لشرح العقائد أورد ما ذكره بعد كلام في شرح العقائد يعرف منه وجه تحيره، قال فيه: والكلام صفة أزلية عبر عنها بالنظم المسمى بالقرآن المركب من الحروف، وذلك أن كل من يأمر وينهى ويخبر يجد من نفسه معنى لم تدل عليه العبارة والكتابة والإشارة، وهو غير العلم؛ إذ قد يخبر الإنسان بما لا يعلمه، بل يعلم خلافه، فقال في الحاشية: قوله: «إذ قد يخبر الإنسان بما لا يعلمه» قيل: هذا إنما يدل على مغايرته للعلم اليقيني لا العلم المطلق؛ إذ كل عاقل تصدى للإخبار يحصل في ذهنه صورة ما أخبر به بالضرورة، على أنه لا يتم في شأنه تعالى، وقياس الغائب على الشاهد لا يفيد. ثم قال: واعلم أن هذا المقام محار الأفهام، والذي يخطر بالبال هو أن يقال: المعنى الذي نجده من أنفسنا لا يتغير بتغير العبارات إلى آخر ما ذكره المؤلف #، =
(١) فإن قيل: إن مأخذ اشتقاق المتكلم إنما هو التكلم لا الكلام، وإنما الكلام أثره كما أن النقوش الخطية أثر الكتابة. أجيب: بأن قيام التكلم يستلزم قيام الكلام، وهو المطلوب، فتأمل. (مهراباذي على العقائد). مأخذ الاشتقاق هو التكلم، وقيامه يستلزم قيام الكلام؛ لأن الكلام جزء معنى التكلم؛ إذ التكلم هو صدور الكلام عمن قام به، فيحصل المطلوب، وهو ثبوت صفة الكلام لله تعالى. (حواشي).
(٢) انتهى كلامه، كذا في بعض النسخ، وفي بعضها أيضاً هنا: ووجه الاندفاع ظاهر. اهـ وجه الاندفاع أنه قرر آنفاً أن الكلام هيئات ... إلخ، فلزم منه عدم صحة تفسير المتكلم بمن قام به الكلام، وأن المتكلم هو من قام به التكلم.
(٣) عطف على قوله: فمن ذلك قولهم، وقوله: «والكلام فيه» ابتداء الاعتراض والرد، وقوله: «أنا لا نعقل أنه أمر وراء العلم» يعني بل هو العلم بعينه.