هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

فصل: في بيان المحكوم عليه وأحكامه

صفحة 721 - الجزء 1

  أنا لا نعقل أنه أمر وراء العلمِ في الخبر والإرادةِ في الأمر ونحوه والكراهةِ في النهي.

  وفي بعض حواشي شرح العقائد: أن المقام محار للأفهام، والذي يخطر بالبال⁣(⁣١) هو أن يقال: إن المعنى الذي نجده من أنفسنا لا يتغير بتغير العبارات ومدلولاتها، فإن قَوْلَنا: زيد قائم، وزيد ثبت له القيام، واتصف زيد بالقيام، إلى غير ذلك - تعبيراتٌ عن واحد⁣(⁣٢)، والإنكار مكابرة، ولا شك أن مدلولات


= فظهر أن وجه التحير محاولة الفرق بين مطلق العلم والكلام النفسي، ولم يتم لا في حقه تعالى - لعلمه بما أخبر به قطعاً - ولا في حق غيره إذ لم يتم قولهم: إذ قد يخبر الإنسان بما لا يعلمه. قلت: ولم يخلص بما ذكره بعد قوله: والذي يخطر بالبال عن الحيرة أيضاً فتأمل، والله أعلم.

(قوله): «أنا لا نعقل أنه أمر وراء العلم ... إلخ» اعلم أن الأشعرية احتاجوا في إثبات الكلام النفسي إلى بيان أمرين: أحدهما: الفرق بينه وبين العلم والإرادة حتى يثبت كلام نفسي مغاير لهما. والثاني: بيان أنه معنى متحد لئلا يرد عليهم ما عرفت من الإشكال⁣[⁣١] في حق الغائب تعالى وتقدس، وقد أشار المؤلف إلى الأمر الثاني بقوله: لا يتغير بتغير العبارات ... إلخ، وإلى الأمر الأول بقوله: ثم إن الشاك ... إلخ. وقد بينوا الأمر الأول بقولهم: إن المعنى النفسي الذي هو النسبة كما عرفت من المنقول عن شرح المختصر غير العلم - بأنه قد يخبر الرجل عما لا يعلمه، بل يعلم خلافه أو يشك فيه. وغير الإرادة بأنه قد يأمر الرجل بما لا يريده، كالمعتذر من ضرب عبد بعصيانه⁣[⁣٢] فإنه قد يأمره وهو يريد أن لا يفعل المأمور به ليظهر عذره عند من يلومه. واعترض ذلك بأن الموجود في هذه الصورة صيغة الأمر لا حقيقته؛ إذ لا طلب فيها أصلاً، ومثل ذلك يمكن أن يقال في النهي استدلالاً واعتراضاً، فيقال: المعنى النفسي الذي في النهي هو غير الكراهة؛ لأنه قد ينهى الرجل عما لا يكرهه بل يريده كما في صورة الاعتذار. ويعترض بأنه ليس هناك حقيقة النهي بل صيغته فقط. وبينوا الأمر الثاني بما عرفت من أنه لا يختلف باختلاف العبارات، وأنه مغاير لمدلولات الألفاظ المتغايرة كما سيأتي، فأشار المؤلف # إلى دفع الأمر الأول بقوله: أنا لا نعقل أنه أمر وراء العلم ... إلخ، وإلى دفع الثاني بقوله: لكن ما ذكروه مخالف لما صرحوا به ... إلخ.


(١) هذا من كلام حاشية شرح العقائد للخيالي، والشرح للسعد |.

(*) في المطبوع: ببالي.

(٢) قال القاضي زكريا: أي: مغاير لمدلول لفظ الخبر مثلاً؛ لأنه واحد لا يتغير بتغير العبارات، فإن قولك: زيد قائم، وزيد ثبت له القيام، وزيد اتصف بالقيام - عبارات عن معنى - وهو كون زيد عليه في نفس الأمر وفي الخارج - واحد، وهي مختلفة المدلولات، وغير المتغير وهو الذي نجده في النفس، مغاير لما يتغير وهو معقول الخبر.


[١] في بحث قول المحشي: قوله: ولا يختلف باختلاف العبارات، وهو قوله: وإذا ثبت أنه متحد في الشاهد ثبت أنه مثله في الغائب. (من هامش سيلان).

[٢] في المطبوع: لعصيانه، والمثبت من شرح المواقف.