[ذكر سبب التأليف]
  اسم الواحد ويكون لبعضها نسبة إلى بعض بالتقديم والتأخير. وهو بهذين المعنيين لا يتعدى بعلى، فهو مضمن إما معنى الاشتمال، لا يقال: يلزم اشتمال الشيء على نفسه؛ لأن الشامل هو المجموع، والمشمول كل واحد من الأجزاء، فتغايرا.
(قوله): «اسم الواحد» أي: اسم هو الواحد، فالإضافة بيانية.
(قوله): «ويكون لبعضها نسبة إلى بعض بالتقديم والتأخير» احتراز عن تركيب الأدوية فإنه ليس بترتيب، ومعنى النسبة لهما أن يقال: هذا مقدم على ذاك وذاك متأخر عن هذا وإن لم يكن التقديم لمناسبة كما ذكره السعد حيث اعترض في شرح الرسالة على من زعم أن التقدم والتأخر فيما بين الأشياء يكون مناسباً، قال السعد: لأنه إنما نشأ عن معناه اللغوي، قلت: لأنه لغة جعل الشيء في مرتبته التي تليق به وتناسبه.
(قوله): «وهو بهذين لا يتعدى بعلى» بل بنفسه[١]، فإن المعنى عليهما رتبت أجزاء الكتاب، أي: جعلت كلاً منها في مرتبته، أو جعلتها بحيث يطلق عليها اسم الواحد ... إلخ، فلا يحتاج إلى تعديه هذين المعنيين بعلى، وإنما قدرنا المضاف - أعني لفظ الأجزاء - لما سيأتي من أن الترتيب بهذين المعنيين لا يتعدى إلى ضمير الكتاب، بل إلى مضاف مقدر هو لفظ الأجزاء.
(قوله): «فهو مضمن إما معنى الاشتمال» قال الشريف ما معناه: التضمين أن يقصد بلفظ فعل معناه الحقيقي ويلاحظ معه فعل آخر يناسبه ويدل عليه بذكر شيء من متعلقات الآخر، كقولك: أحمد إليك فلاناً، فإنك لاحظت فيه مع معنى الحمد معنى الإنهاء ودللت عليه بذكر صلته، أعني كلمة إلى، كأنك قلت: أنهي حمده إليك.
وفائدة التضمين إعطاء مجموع المعنيين، فالفعلان مقصودان معاً قصداً وتبعاً، فاللفظ مستعمل في معناه الحقيقي فقط والمعنى الآخر مراد بلفظ محذوف يدل عليه ذكر ما هو من متعلقاته، فتارة يجعل المذكور أصلاً في الكلام والمحذوف قيداً فيه على أنه حال كما قال صاحب الكشاف في قوله تعالى: ولتكبروا الله حامدين، وتارة يعكس[٢] فيجعل المحذوف أصلاً والمذكور مفعولاً كما في أحمد إليك فلاناً، أو حالاً كما يدل عليه قوله في الكشاف في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}[البقرة: ٣]: أي يعترفون به، ولا بد من اعتبار الحال، أي: يعترفون به مؤمنين؛ إذ لو لم يقدر لكان مجازاً عن الاعتراف لا تضميناً.
فإن قيل: إذا كان المعنى الآخر مراداً بلفظ محذوف كان ذلك من قبيل الإضمار فكيف يقال: إن المذكور يتضمنه؟ أجيب بأنه لما كانت مناسبته للمذكور بمعونة ذكر صلته قرينة على اعتباره جعل كأنه في ضمنه، ومن ثمة كان جعله حالاً وتبعاً للمذكور أولى من عكسه.
[١] قوله: «لا يتعدى بعلى بل بنفسه» الترتيب بالمعنى اللغوي والاصطلاحي لا يتعدى إلى مفعول ثان لا بنفسه ولا بواسطة حرف جر فتأمل، والله أعلم. (إملاء شيخنا ح).
[٢] قوله: «وتارة يعكس» فيكون التقدير هاهنا على الأول: رتبته مشتملاً أو مبيناً، وعلى الثاني: اشتمل أو بني مرتباً. (منه ح).