هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الكلام في فعل الرسول ÷ هل هو دليل شرعي في حقنا]

صفحة 54 - الجزء 2

  بالوجوب عليه⁣(⁣١)، وهو خلاف المفروض، وما ذكرتموه من الاحتجاج على وجوب التأسي نقول بموجبه ولا يضرنا؛ إذ معناه أنه يجب علينا أن نفعل كفعله الواجب، وأن نعتقد ندبيته أو إباحته إن كان مندوباً أو مباحاً.

  ومنها: أن الصحابة لما اختلفوا في وجوب الغسل عند إيلاج قدر الحشفة من غير إنزال بعث عمر إلى عائشة يسألها عن ذلك فقالت: «فعلته أنا ورسول الله ÷ فاغتسلنا»، فأوجبوا الغسل بمجرد فعله، ولولا أن فعله واجب الاتباع لما أذعن المخالف ولما أُجمع عليه.

  (و) الجواب: لا نسلم إيجابهم الغسل بمجرد فعله، بل إما لأن (قول عائشة مبين لآية الجنابة) وهي قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}⁣[المائدة: ٦]، فيكون غسله بياناً لكون التقاء الختانين جنابة، ولا نزاع في وجوب اتباع مثل هذا الفعل؛ لكون المبين به واجباً؛ لقوله: «فاطهروا».

  (أو) لأن قولها: (مفهم للوجوب) بقرينة، وهي أنهم سألوها عنه بعد الخلاف فيه أيجب أم لا، فلولا إشعار الجواب بالوجوب لما تطابقا.


(قوله): «وهو خلاف المفروض» لأن الكلام فيما لم يعلم وجهه.

(قوله): «ولا يضرنا» إذ هو مما علم وجهه.

(قوله): «وقول عائشة مبين ... إلخ» يقال: المبين فعله ÷[⁣١] كما ذكره المؤلف # بقوله: فيكون غسله بياناً، لا قولها؛ إلا أن قولها لما كان⁣[⁣٢] هو الطريق إلى معرفة الفعل أطلق عليه البيان.

(قوله): «المبين به» ضمير به للفعل، والضمير المستتر للألف واللام، وهما عبارة عن كون التقاء الختانين⁣[⁣٣] جنابة، فهو المبين، فالصفة جارية على صاحبها.

(قوله): «مفهم للوجوب» ومثله في شرح المختصر، والمعنى أن الوجوب فهم من قولها لا من مجرد فعله ÷، فكأنه لما فهم الوجوب من قولها أفاد أنها عرفت ما يدل على أن فعله للوجوب.


(١) ويتوقف أيضاً إثبات الندب لنا والإباحة على العلم بالندب والإباحة له كما يشعر به آخر كلامه، وكأنه أراد هنا مثلاً.


[١] المراد أن قولها إنما كان مبيناً لكونه حكاية فعله ÷، فمعنى قوله: وقول عائشة ... إلخ روايتها فعله ÷ مبين. (مغربي).

[٢] فالإسناد إليه مجاز عقلي من قبيل الإسناد إلى السبب، فإن قولها وروايتها لما فعله سبب لبيان ذلك المجمل. (من أنظار خاتمة المحققين ضياء الدين زيد بن محمد قدس سره).

[٣] لا يخفى أنه لا يصح حمل واجباً عليه، ولعل الألف واللام عبارة عن مسبب التقاء الختانين، وهو الغسل. (ح عن خط شيخه).