[الكلام في فعل الرسول ÷ هل هو دليل شرعي في حقنا]
  احتج القائلون بندبية مثل فعله المجرد في حق الأمة بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١]، (و) لا (دلالة) في (الآية) الكريمة إلا (على الرجحان) لانتفاء الإباحة بوصف الأسوة بالحسنة(١) (والأصل عدم الوجوب) ويعضده قوله: «لكم» لا عليكم، فتعين الندب. وهذا الاحتجاج (مردود بما تقدم) في الجواب على من احتج بالآية على الوجوب.
  احتج القائلون بإباحة مثل فعله المجرد بأن الأصل في الأفعال كلها الإباحة
(قوله): «على الرجحان» أي: رجحان الفعل على الترك الذي هو معنى الندب.
و (قوله): «لانتفاء الإباحة بوصف الأسوة بالحسنة» يعني في معرض المدح، ولا مدح على المباح، وأما مجرد الوصف بالحسنة فقد يدفع بأن المباح من الحسن؛ ولهذا أجاب في شرح المختصر عن قولهم: «في معرض المدح» بأنه لم يذكر في الآية ذلك، وإنما ذكر حسن الأسوة، فالمباح من الحسن.
(قوله): «والأصل عدم الوجوب» يعني أن الآية قد دلت على الرجحان، والأصل عدم المنع من الترك؛ لعدم دلالتها على المنع من الترك الذي هو معنى الوجوب، ويعضد عدم دلالتها[١] عليه قوله: لكم لا عليكم.
(قوله): «بما تقدم» أي: بمثل ما تقدم من أن آية التأسي تفهم المماثلة في الوجه، فيتوقف إثبات الندبية في حقنا على العلم بها، وهو خلاف المفروض. وإنما قلنا: بمثل ما تقدم لأن الرد هاهنا ليس عين ما تقدم، يظهر بأدنى تأمل.
لكن أما ما ذكره المخالف هنا من انتفاء الإباحة بوصف الأسوة بالحسنة فرده بما تقدم من أن الآية تفهم المماثلة في الوجه غير مستقيم، وذلك ظاهر، بل يرد بأن الواجب[٢] من الحسن أيضاً، وبأن عدم الوجوب[٣] وإن كان خلاف الأصل لكن قد ثبت الوجوب بما عرفت من تقرير الآية بالشرطية المتقدمة وعكس النقيض. ولفظ «كالمعلوم» ينبغي[٤] أن يكون من المتن ليكون خبراً عن قوله: وانتفاء الحرمة ... إلخ»؛ إذ مع جعله من الشرح يكون الخبر مدفوع، فيفسد المعنى بالنظر إلى عبارة المتن. ولعل كتابته شرحاً من غلط الناسخ.
(١) في معرض المدح، ولا مدح على المباح، فتعين الندب، وهو المطلوب. اهـ إما لمجرده - يعني المباح - فمسلم، وإما للاقتداء بفعله # فهو من هذا الوجه حسن، وقد أشار إلى ذلك بعض أهل الحواشي حيث قال: وأيضاً لا نسلم انتفاء الإباحة، وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١] لا يدل على حسن؛ لأن الحسن صفة للأسوة، فحينئذ جاز أن يكون إباحة ويكون التأسي معها حسناً بأن يؤتى بها على الوجه الذي أتاه من غير اختلاف.
[١] الظاهر: ويعضد الأصل كما لا يخفى. (ح قال: اهـ شيخنا المغربي).
[٢] ظنن في بعض النسخ الصحيحة بالمباح بدلاً عن الواجب.
[٣] الظاهر سقوط العدم. اهـ ح.
[٤] الظاهر أن الظرف هو الخبر، فقول ابن الإمام في الشرح: «كالمعلوم» إشارة إلى تقدير جنس المتعلق له، وهو واضح، ودليل ما قلناه قول المؤلف: كالمعلوم بكاف التشبيه، ولو تم ما قال المحشي لقال ابن الإمام: معلوم. (من نظر سيدي أحمد بن محمد إسحاق ح). وفي حاشية ما لفظه: عبارة المتن مستقيمة مع التأمل؛ إذ المراد أن الدليل المذكور بقوله: إن انتفاء الكراهة ... إلخ مدفوع بأنهما ... إلخ فتأمل. (حسن بن يحيى ح).