[الكلام في عدم تعارض الفعلين وفي تعارض الفعل والقول]
  الخاص؛ لأنه يقال: يستلزم أن يكون المتأخر من العام ودليل التأسي عبثاً أو بداء(١).
  بلى قد يمكن ذلك في صورة نادرة، وهي أن يطول تأخر دليل التأسي عن الفعل والدليل العام، فيكون الفعل مخصصاً ودليل التأسي ناسخاً.
  وأن المختار القول مع جهل التاريخ؛ لما تقدم من الوجوه المرجحة له، لكن تقرير الوجه الرابع(٢) هاهنا أدق؛ لأن العمل بالقول يبطل استمرار حكم الفعل
(قوله): «لأنه يقال ... إلخ» حاصل الجواب: أن المانع عن التخصيص ليس هو مجرد وقوع الفعل قبل التمكن من الترك أو وقوع القول قبل التمكن من التأسي، بل المانع كون المتأخر من دليل التحريم أو دليل التأسي يكون عبثاً أو بداء، لكن قد عرفت سابقاً أن العبث أو البداء إنما هو في حق الأمة لا في حقه ÷[١]. وبيان كونه عبثاً أو بداء: أن دليل التحريم مع تأخر الفعل عنه كما في هذا المثال إن تقدم على دليل التأسي وهو: «تأسوا بي في الاستقبال» بأن استقبل قبل التمكن من الكف عنه كان دليل التأسي عبثاً؛ لمنع دليل التحريم عن التأسي، أو بداء إن نسخ به دليل التحريم؛ إذ هو قبل التمكن من الكف. وإن تأخر دليل التحريم كان عبثاً إن لم ينسخ به دليل التأسي، أو بداء إن نسخ به دليل التأسي؛ لكونه قبل التمكن من التأسي، فتمتنع هذه الصورة، وحينئذ فلا بد وأن يتراخى أحد الأمرين: إما الفعل أو القول، وإذا كان أحدهما متراخياً فلا تخصيص. وأما مع الإمكان فالمتأخر ناسخ، فإذا تقدم دليل التحريم وأمكن الترك ثم ورد دليل التأسي واستقبل النبي ÷ كان الفعل ناسخاً لدليل التحريم، إلا أن النسخ للفعل وحده في حقه ÷، وفي حقنا الناسخ الفعل مع دليل التأسي. وإن تأخر دليل التحريم ومضى وقت يمكن فيه التأسي كان دليل التحريم ناسخاً لدليل التأسي في حقنا؛ إذ لا تكرار في حقنا، ونسبته إلى الفعل مجاز، وأما في حقه فدليل التحريم ناسخ لمثل ذلك الفعل؛ لثبوت التكرار في حقه كما عرفت.
(قوله): «في صورة نادرة، وهي أن يطول تأخر دليل التأسي» في المثال المتقدم. وبيانه: أن يرد تحريم الاستقبال في وقت معين ثم يستقبل ÷ بلا تراخ، ثم يتراخى دليل التأسي حتى مضى وقت يمكن كف الأمة فيه عن الاستقبال، ثم يرد دليل التأسي في الاستقبال للقبلة بقضاء الحاجة، فإنه يكون فعله ÷ بلا تراخ مخصصاً له من عموم التحريم، ودليل التأسي ناسخاً لدليل التحريم في حقنا.
(قوله): «وأن المختار» عطف على قوله سابقاً: أن المتأخر من القول والفعل ناسخ للآخر.
(قوله): «لكن تقرير الوجه الرابع» يعني من وجوه ترجيح القول.
(قوله): «هاهنا أدق» هذا دفع لما ذكره العلامة في شرح المختصر من أن الوجه الرابع لا يتمشى هنا، فأشار المؤلف # إلى أنه يتمشى ولكن بوجه أدق، وتقريره: أن العمل بالفعل[٢] يبطل حكم القول بالكلية، والعمل بالقول وإن كان يبطل الفعل في حقهم وفي حقه لكن إنما يبطل في حقه دوام الفعل واستمرار حكمه دون أصل الفعل، فإنه قد فعل مرة ولا يتصور إبطاله، وهذا كاف في ترجيح القول. لكن الاستدراك في قول المؤلف #: ولكنه لا يبطله بالكلية غير ظاهر، فإن معنى عدم إبطاله بالكلية قريب من معنى إبطال استمرار حكم الفعل لا أصله، وإنما يصلح استدراكاً لإبطال حكم الفعل في حقه كما في عبارة العضد حيث قال: يبطل حكم القول في حقهم وفي حقه، لكن إنما يبطل في حقه دوام الفعل، فلو قال المؤلف #: لأن العمل بالقول وإن أبطل الفعل في حقه هنا لكنه لا يبطله بالكلية؛ إذ لا يبطل إلا استمراره - لظهر معنى الاستدراك.
(١) فما بقي إلا الحكم بامتناع وقوع ذلك بلا تراخ، فلا يقع إلا مع التراخي.
(٢) وهو قوله: وإبطاله بالكلية لو عمل بالفعل.
[١] إلا مع اعتبار دليل التكرار في حقه ÷. (حسن ح).
[٢] صوابه: بالقول؛ لأن الكلام في ترجيحه على الفعل بما ذكره في المرجحة، ولعله سبق قلم، يدل عليه قول المحشي: فلو قال المؤلف: لأن العمل بالقول ... إلخ. (ح عن خط شيخه).