[الكلام في عدم تعارض الفعلين وفي تعارض الفعل والقول]
  بقي الكلام في العام له بطريق الظهور، وهو أنه لا تعارض بين القول والفعل في حق الأمة؛ لعدم ثبوت حكم الفعل في حقهم، وأما في حقه ÷ فالمختار أن الفعل مخصص للقول العام سواء تقدم أو تأخر إلا في صورة واحدة، وهي تأخر الفعل عن وقت العمل بالقول.
  وذهب كثير من أصحابنا إلى أن المتأخر المتراخي منهما ناسخ للآخر.
  فإن جهل التاريخ رجح القول بتخصيص الفعل لعموم القول؛ لأنه أغلب من النسخ وأهون، ولكون النسخ إنما يتجه على المختار على تقدير واحد، بخلاف التخصيص، وسيجيء لهذا زيادة تحقيق في مسألة بناء العام على الخاص
(قوله): «لعدم ثبوت حكم الفعل في حقهم» وذلك لعدم وجوب التأسي.
(قوله): «عن وقت العمل بالقول» فهو ناسخ لا مخصص؛ لامتناع تأخر البيان عن وقت الحاجة، وأما حيث تأخر بوقت لا يمكن فيه العمل بدليل التكرار فالفعل مخصص؛ إذ لا يلزم تأخير البيان. وبعض الناظرين زاد في قول المؤلف #: «عن وقت العمل» قيداً، وهو قوله: بوقت يمكن فيه العمل، ولا حاجة إليه؛ لأن التأخر عن وقت العمل مشعر بإمكان العمل، فالمحتاج إلى التقييد تأخر الفعل عن القول.
(قوله): «وذهب كثير من أصحابنا إلى أن المتأخر المتراخي منهما ناسخ ... إلخ» لم يذكروا ذلك في هذا المقام، وإنما ذلك مقتضى كلامهم في باب العموم والخصوص حيث ذهبوا إلى أن العام المتأخر بوقت يمكن فيه العمل ناسخ للخاص المتقدم، وهاهنا حيث تأخر القول فهو عام والفعل المتقدم خاص. واختار المؤلف # في ذلك أن العام المتأخر مخصص بالخاص المتقدم؛ فلذا قال: إلا في صورة واحدة وهي تأخر الفعل، لا في غيرها، وهي حيث تقدم الفعل وتأخر القول العام فهو مخصص للعام. ثم قال: وذهب كثير من أصحابنا ... إلخ، وسيأتي نقل القائل بذلك، وقد أشار المؤلف # إلى ما ذكرنا بقوله: وسيجيء لهذا زيادة تحقيق إن شاء الله تعالى.
(قوله): «رجح القول بتخصيص الفعل» الباء متعلق بالقول معمول له، وقوله: «لعموم» متعلق بتخصيص معمول له، وقوله: «لأنه» أي: التخصيص «أغلب من النسخ»، وذلك لكثرة التخصيص في الشرعيات، ولا شك أن النسخ أقل وقوعاً منه، علم ذلك بالاستقراء، والحمل على الأغلب أولى.
(قوله): «وأهون» من النسخ؛ لأنه يدفع ما يظن دخوله، وهذا يرفع حكماً قد ثبت، ولا شك أن الدفع أهون من الرفع.
(قوله): «على المختار» إشارة إلى أن ترجيح التخصيص بوقوعه على أربعة تقادير إنما هو على ما اختير من كون العام المتراخي عن الخاص مخصوص بالخاص لا ناسخ للخاص، واختاره المؤلف #، وهو مذهب المؤيد بالله والسيد محمد بن إبراهيم، وبه قال الشافعي، وقد خالف في ذلك جمهور أصحابنا والحنفية وبعض الشافعية فبنوا على أن العام المتراخي ناسخ للخاص المتقدم، وسيأتي نقل خلافهم في باب العموم والخصوص إن شاء الله تعالى.
(قوله): «على تقدير واحد بخلاف التخصيص» فيتجه على أربعة تقادير: تقدير التقارن، وتقدم العام بمدة لا تتسع للعمل به، وتأخره بمدة لا تتسع [للعمل بالخاص، وتأخره بمدة تتسع[١]] لذلك. والقول بالنسخ يتجه على تقدير واحد، وهو تأخر الخاص بمدة تتسع للعمل بالعام، ولا شك أن وقوع أحد أمور أربعة أغلب من وقوع واحد معين، فوجب الحمل على الأغلب لكونه مظنوناً.
(قوله): «وسيجيء لهذا زيادة تحقيق» إن شاء الله تعالى بعضه قد عرفته مما ذكرنا.
[١] ما بين المعقوفين من هامش (أ).