[الكلام في حجية الإجماع]
  إجماعاً، بل لاشتماله على قول الإمام المعصوم(١).
  والأدلة على حجيته كثيرة من الكتاب والسنة والمعقول، وقد أسقطنا في هذا الكتاب ما ذكروه من أدلة المعقول لما يرد عليها من الأسئلة التي لا تندفع إلا
(قوله): «وقد أسقطنا في هذا الكتاب ما ذكروه من أدلة المعقول لما يرد عليها ... إلخ» أشار المؤلف بهذا إلى ما ذكره ابن الحاجب وغيره من الاستدلال المعقول وإلى ما أورده ابن الحاجب على ذلك الاستدلال وأجاب به عنه. وبيان ذلك: أن ابن الحاجب استدل بدليلين من المعقول: الأول منهما: أنهم أجمعوا على القطع بتخطئة المخالف للإجماع، فدل على أنه حجة، فإن العادة تحكم بأن هذا العدد الكثير من العلماء المحققين لا يجمعون على القطع في شرعي بمجرد تواطؤ أو ظن، بل لا يكون قطعهم إلا عن قاطع، فوجب[١] الحكم بوجود نص قاطع بلغهم في ذلك، فيكون مقتضاه - وهو خطأ المخالف له - حقاً، وهو يقتضي حقية ما عليه الإجماع، وهو المطلوب. ثم أورد ابن الحاجب على هذا الاستدلال إجماع الفلاسفة على قدم العالم، وإجماع اليهود على أنه لا نبي بعد موسى، وإجماع النصارى على أن عيسى قد قتل، فإن كلاً منها قد اشتمل على ما ذكرتم من القيود مع أنه لا يحكم بإسناده[٢] إلى القاطع. وأجاب بأن إجماع الفلاسفة عن نظر عقلي، وتعارض الشبه واشتباه الصحيح بالفاسد فيه كثير، فانتفى قيد الشرعية المشار إليه فيما تقدم بقوله: في شرعي، وأما في الشرعيات فالفرق بين القاطع والظني بين لا يشتبه على أهل المعرفة والتمييز. وإجماع اليهود والنصارى متابعة لنقل الآحاد في الطبقة الأولى وإن تواتر الوسط والآخر كما روى اليهود عن موسى: هذه شريعة مؤبدة ما دامت السماوات والأرض، فليس إجماعهم عن تحقيق؛ إذ لو كانوا محققين[٣] لم يجمعوا عليه؛ لأنه موضوع، فلا يرد نقضاً؛ لانتفاء قيد التحقيق [فيهم][٤]. وأورد أيضاً ابن الحاجب على هذا الاستدلال أنه يلزم منه الدور؛ لأنه أثبت فيه الإجماع بالإجماع أو بنص متوقف على الإجماع. وأجاب بأن المدعى كون الإجماع حجة؛ والذي يثبت[٥] به ذلك هو وجود نص قاطع دل عليه وجود صورة من الإجماع ممتنع عادة وجودها بدون ذلك النص سواء قلنا الإجماع حجة أو لا، وثبوت هذه الصورة من الإجماع ودلالتها العادية على [وجود][٦] النص لا يتوقف على كون الإجماع حجة. الثاني من الدليلين العقليين: أنهم أجمعوا على أنه يقدم على القاطع، وأجمعوا على أن غير القاطع لا يقدم على القاطع، بل القاطع هو المقدم على غيره، فلو كان غير قاطع لزم تعارض الإجماعين، والعادة قاضية بامتناعه. وأورد أيضاً على هذا الاستدلال والذي قبله أن مقتضى هذين الدليلين أن الإجماع حجة إذا بلغ المجمعون عدد التواتر، فإن غيره لا يقطع بتخطئة مخالفه ولا يقدم على القاطع إجماعاً. وأجاب بأن الدليل[٧] ناهض في إجماع المسلمين من غير تقييد ولا اشتراط، فإنهم خطأوا المخالف وقدموه على القاطع مطلقاً من غير تعرض لعدد التواتر، وإن سلم فلا يضرنا؛ إذ غرضنا حجية الإجماع في الجملة، وقد ثبت عدد التواتر في أكثر ما يستدل به من الإجماع كإجماع الصحابة والتابعين. هذا حاصل ما ذكره ابن الحاجب نقلناه بياناً لما أشار إليه المؤلف # ولنفعه في بحث سيأتي إن شاء الله تعالى.
(١) وكذا ما نقل عن النظام والخوارج من الموافقة فإنهم عند التحقيق مخالفون، أما النظام فلأنه لم يفسر الإجماع باتفاق المجتهدين كما قلنا، بل قال كما نقله عنه الآمدي: الإجماع هو كل قول يحتج به. وأما الخوارج فقالوا كما نقله القرافي عن الملخص: إن إجماع الصحابة حجة قبل حدوث الفرقة، وأما بعدها فقالوا: الحجة في إجماع طائفتهم لا غير؛ لأن العبرة بقول المؤمنين، ولا مؤمن عندهم إلا من كان على مذهبهم، ذكره الإسنوي.
[١] في المطبوع: يوجب. والمثبت من العضد.
[٢] في حاشية السعد: باستناده.
[٣] في المطبوع: محقين. والمثبت من الجواهر.
[٤] ما بين المعقوفين من الجواهر.
[٥] في شرح العضد: ثبت.
[٦] ما بين المعقوفين من شرح العضد.
[٧] ولو رد هذا بأن ذلك استدلال على كونه حجة بالإجماع وهذا لا يحتاج إلى دليل آخر لكان أولى. (حسن بن يحيى ح).