هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الكلام في حجية الإجماع]

صفحة 95 - الجزء 2

  بتكلف، وذكرنا ما هو معتمد عليه من الأدلة النقلية فقلنا: هو حجة (لقوله) تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ⁣(⁣١)) نُوَلِّهِ⁣(⁣٢) مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ١١٥}⁣[النساء]، ووجه الدلالة: أن الله تعالى (جمع بين المشاقة) للرسول ÷ (واتباع غير سبيلهم) أي: المؤمنين (في الوعيد) حيث قال: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ}، فيلزم أن يكون اتباع غير⁣(⁣٣) سبيل المؤمنين محرماً، وإلا لم يجمع بينه وبين المحرم الذي هو المشاقة في الوعيد؛ إذ لا يحسن الجمع بين حرام وحلال في وعيد، بأن يقول مثلاً: إن زنيت وشربت الماء عاقبتك⁣(⁣٤)، وإذا حرم اتباع غير سبيلهم وجب اتباع


(قوله): «إذ لا يحسن الجمع بين حرام وحلال» هذا تقرير للاستدلال يندفع به ما يقال: إن مجرد الوعيد على أمرين لا يقتضي الإيعاد على كل منهما كما إذا قيل: من ترك الإطعام والكسوة والإعتاق في الكفارة⁣[⁣١] فله نار جهنم.


(١) يقال: لولا الإجماع على اتباع سبيل المؤمنين لكان متبع غيره مصيباً على القول بالتصويب أو مخطئاً معذوراً على خلافه، فالمصير لمخالفة ذلك السبيل كبيرة هو الإجماع. اهـ وقد ذكر الإسنوي ما لفظه: لا يسلم أن السبيل لغة هو قول أهل الإجماع، بل دليل الإجماع. وبيانه: أن السبيل لغة هو الطريق الذي يمشى فيه، وقد تعذرت إرادته هاهنا، فتعين الحمل على المجاز، وهو إما قول أهل الإجماع أو الدليل الذي لأجله أجمعوا، والثاني أولى لقوة العلاقة بينه وبين الطريق، وهو كون كل واحد منهما موصلاً إلى المقصد. وأجاب المصنف - يعني البيضاوي -: بأن السبيل أيضاً يطلق على الإجماع؛ لأن أهل اللغة يطلقونه على ما يختاره الإنسان لنفسه من قول أو فعل، ومنه قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي}⁣[يوسف: ١٠٨]، وإذا كان كذلك فحمله على الإجماع أولى؛ لعموم فائدته، فإن الإجماع يعمل به المجتهد والمقلد، وأما الدليل فلا يعمل به سوى المجتهد.

(٢) أي: نجعله والياً لما تولى من الضلال؛ بأن نخذله ونخلي بينه وبين ما اختاره. (كشاف).

(٣) في المخطوطات: أن يكون غير سبيل المؤمنين محرماً.

(٤) كان الأحسن في التمثيل أن يقول: إن شربت الخمر وشربت الماء، أو إن أكلت الخنزير وشربت الماء عاقبتك؛ لما بين الشربين أو الأكل والشرب من المناسبة التي ليست بين الزنا وشرب الماء.


[١] لفظ السعد: في الكفارة. وهي كذلك في نسخة.