[الكلام في حجية الإجماع]
  سبيلهم؛ لأنه لا واسطة بينهما.
  ويلزم من وجوب اتباع سبيلهم كون الإجماع حجة؛ لأن سبيل الشخص هو ما يختاره من القول أو الفعل أو الاعتقاد.
  (وهو) أي: هذا الاحتجاج المأخوذ من هذه الآية الكريمة (ظني) لأنه معترض عليه بوجوه كثيرة، منها: أن الآية تدل على نقيض المطلوب؛ لأن مفهومها وجوب اتباع سبيل المؤمنين، وسبيلهم التمسك بالدليل(١) لا بالإجماع، فلا يجب التمسك بالإجماع، ويؤيده أن السبيل في اللغة الطريق، فإطلاقه على الدليل أولى وأقرب من إطلاقه على الاتفاق؛ لمشاركته الطريق في الإيصال. ومنها: أن منطوق الآية تحريم اتباع غير سبيلهم، وهو لا يستلزم وجوب اتباعهم؛ لثبوت الواسطة، وهي ترك الاتباع
(قوله): «لأنه لا واسطة بينهما» إشارة إلى أن حرمة اتباع غير سبيل المؤمنين وإن كانت أعم من وجوب اتباع سبيلهم بحسب المفهوم[١] لكن لا مخرج بحسب الوجود عن اتباع غير سبيلهم [واتباع سبيلهم][٢]؛ لأن ترك اتباع سبيلهم اتباع لغير سبيلهم؛ إذ معنى السبيل ما يختار الإنسان لنفسه من قول أو فعل، كذا في حاشية السعد، وأما بعضهم فذكر أن عدم الواسطة مبني على قول من يقول بأن التروك أفعال.
(قوله): «بوجوه كثيرة» ذكرها السعد، قال: ووجه الانفصال عنها مذكور في أحكام الآمدي.
(قوله): «لا بالإجماع» الأولى: لا الإجماع؛ إذ زيادة الباء تقتضي بأن المجمعين تمسكوا بالإجماع، وليس ذلك هو المراد، بل المراد أن سبيلهم ليس هو إجماعهم كما هو مراد المستدل، بل تمسكهم بالدليل؛ ولهذا قال المؤلف # فيما بعد: وأقرب من إطلاقه - أي: السبيل - على الاتفاق، والله أعلم.
(قوله): «لثبوت الواسطة وهي ترك الاتباع ... إلخ» قد أجاب عن هذا بعضهم بقريب من جواب السعد المتقدم حيث قال: وأجيب بأن ترك اتباعهم بالكلية غير سبيلهم. وزاد هذا البعض جواباً آخر حيث قال: وبأن قول القائل: لا تتبع غير سبيل الصالحين لا يفهم منه في العرف سوى الأمر باتباع سبيل الصالحين، حتى لو قال: لا تتبع غير سبيلهم ولا تتبع سبيلهم كان ركيكاً. وصرح بمثل ذلك الإمام المهدي #[٣] والدواري.
(١) وقد أجيب عنه بأن اتباع غير الدليل داخل في مشاقة الرسول ÷، أي: مخالفة حكمه، وحينئذ يلزم التكرار. (تلويح معنى). يقال: هو من عطف الخاص على العام.
[١] في المطبوع: أعم من وجوب اتباع سبيلهم؛ لأن ترك اتباع سبيلهم اتباع لغير سبيلهم بحسب المفهوم. والمثبت من نسخة ومن حاشية السعد.
[٢] ما بين المعقوفين من نسخة ومن حاشية السعد.
[٣] قال الإسنوي: وفيه نظر، فإن اتباع الغير هو إتيانه بمثل فعله لكونه أتى به، فمن ترك اتباع سبيل المؤمنين لأجل أن غير المؤمنين تركوه كان متبعاً غير سبيل المؤمنين، وأما من تركه لعدم الدليل على اتباع سبيل المؤمنين فلا يكون متبعاً لأحد، وحينئذ فلا يدخل تحت الوعيد. اهـ هذا غير مستقيم؛ لأن مضمونه أن التارك لم يقل بأن الإجماع حجة، وليس هو المراد؛ لأن غايته أنه مخطئ، وإنما المراد أنه من القائلين بحجية الإجماع وخالف ما أجمعوا عليه، ففرق بين المسألتين، أعني القول بأنه غير حجة ومخالفة مقتضاه كما ذكره في الفصول، والله أعلم. (من خط سيدي أحمد بن محمد بن إسحاق | ح).