[الكلام في حجية الإجماع]
  لسبيلهم ولغير سبيلهم(١).
  وأقواها قوله: (لاحتمال التخصيص) لجواز أن يريد سبيلهم في مطاوعة الرسول ÷ وترك مشاقته، أو في مناصرته، أو في التأسي به في الأعمال أو فيما صاروا به مؤمنين، وهو الإيمان بالله وبرسوله، وإذا قام الاحتمال كان غايته الظهور، والتمسك بالظاهر إنما يثبت بالإجماع(٢)؛ لأن غيره من أدلة التمسك لا يخلو عن قدح، فلو أثبتت حجية الإجماع به لزم الدور، وأيضاً(٣) إثبات الأصل الكلي بدليل ظني لا يجوز.
  ومن الأدلة المعتمدة في إثبات حجية الإجماع قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا(٤) لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[البقرة: ١٤٣]، وتقريره: أن الله سبحانه عدل هذه الأمة؛ لأنه تعالى جعلهم وسطاً، وقد قال الجوهري:
(قوله): «عدل هذه الأمة» يعني ظاهراً وباطناً؛ لعلمه ببواطن خلقه؛ بخلاف العدالة عندنا في الشاهد فإنا لا نعتبر فيها إلا الظاهر؛ لعدم إطلاعنا على الباطن، فإذا كانوا معدلين باطناً وظاهراً لم يقدموا على معصية، وفي ذلك كون إجماعهم حجة، ذكره الإمام الحسن # والدواري في شرح الجوهرة. لكن يقال: وإن انتفت المعصية عن الأمة فمدار حجية الإجماع على انتفاء الخطأ عن الأمة؛ ولذا قال المؤلف # فيما يأتي: وحينئذ تجب عصمتهم عن الخطأ قولاً وفعلاً، لكن الآية لا تفيد ذلك كما سيشير المؤلف # إلى ذلك فيما يأتي حيث قال: فيحتمل أن الذي اجتمعوا عليه خطأ ... إلخ، والله أعلم.
(١) إن قيل: المراد عند وجوب الاتباع للسبيل، وذلك عند تضيق الحادثة كما في غيره من سائر الأدلة. ومن يقول: إن التروك أفعال يقول: هو متبع لغير سبيل المؤمنين فلا يتأتى عنده الواسطة، قال الرملي: وأجيب بأن ترك الاتباع ... إلخ سيلان.
(٢) ولولا الإجماع لوجب العمل بالدلائل المانعة من اتباع الظن، فيكون إثباتاً للإجماع بما لا تثبت حجيته إلا به، فيكون دوراً. (عضد).
(٣) «أيضاً» ساقطة من المطبوع.
(٤) وسطاً أي: خياراً، وهي صفة بالاسم الذي هو وسط الشيء؛ ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، وقيل للخيار: وسط لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والإعوار، والأوساط محمية محوطة، قال:
كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت ... بها الحوادث حتى أصبحت طرفا
أو عدولاً؛ لأن الوسط عدل بين الأطراف ليس إلى بعضها أقرب من بعض. (كشاف). وفي التلويح: أما قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ..} الآية فلأن العدالة لا تنافي الخطأ في الاجتهاد؛ إذ لا فسق فيه، بل هو مأجور، ولأن المراد كونهم وسطاً بالنسبة إلى سائر الأمم، ولأنه لا معنى لعدالة المجموع بعد القطع بعدم عدالة كل من الآحاد، وبعد التسليم لا دلالة على قطعية إجماع المجتهدين من[١] أي عصر.
[١] في التلويح: في.