[الكلام في حجية الإجماع]
  الوسط من كل شيء: أعدله، ولأنه تعالى علل ذلك بكونهم شهداء، والشاهد لا بد وأن يكون عدلاً، وهذا التعديل للأمة وإن لزم منه تعديل كل فرد منها - لكون نفيه عن واحد مستلزماً لنفيه عن الكل(١) - فنحن نعلم بالضرورة خلافه، فتعين تعديلهم فيما يجتمعون عليه وحينئذ تجب عصمتهم عن الخطأ قولاً وفعلاً.
  واعترض بأن العدالة فعل العبد؛ لأنها عبارة عن أداء الواجبات واجتناب المقبحات، والوسط فعل الله تعالى؛ لقوله: {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، فيكون الوسط غير العدالة؛ لأن المعدِّل لا يجعل الرجل عدلاً، بل يخبر عن عدالته.
  ولو سلم فالمراد تعديلهم ليشهدوا على الناس يوم القيامة بأن الأنبياء بلغوهم الرسالة كما نص عليه أكثر المفسرين، وعدالة الشهود إنما تعتبر وقت أداء الشهادة لا قبلها، فتكون الأمة عدولاً في الآخرة لا في الدنيا.
  ولو سلم فالخطاب في «جعلناكم» للموجودين عند نزول الآية؛ لأن خطاب من لم يوجد محال، فالآية تدل على أن إجماع أولئك حق، لكنا لا نعلم بقاء جميعهم بأعيانهم
(قوله): «الوسط من كل شيء أعدله» قال تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ}[القلم: ٢٨] أي: أعدلهم، ذكره المفسرون، وقال ÷: «خير الأمور أوسطها» أي: أعدلها، ذكره الدواري.
(قوله): «لكون نفيه عن واحد مستلزماً لنفيه عن الكل» اعترض هذا في التلويح ولم يجب عنه، وقال: بعد التسليم لا دلالة على قطعية إجماع المجتهدين.
(قوله): «والوسط فعل الله» أي: جعلهم وسطاً فعله تعالى، ففي العبارة تسامح.
(قوله): «فيكون الوسط غير العدالة» فلا يفسر جعلهم وسطاً بالعدالة.
(قوله): «عدولاً في الآخرة» وأجاب في شرح الجوهرة بأن الله قد جعلهم عدولاً، ولو كان المراد في الآخرة لقال: وسنجعلكم عدولاً. قلت: يجاب عن هذا بأنه مثل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}[الكهف: ٩٩]. وأجيب أيضاً بأن العدالة إذا لم تثبت لهم قبل الموت لم تثبت بعده.
(قوله): «بقاء جميعهم» أي: بقاء الموجودين عند نزول الآية.
(١) أثبت لمجموع الأمة العدالة، وهي تقتضي الثبات على الحق والطريق المستقيم؛ لأن العدالة الحقيقية الثابتة بتعديل الله سبحانه تنافي الكذب والميل إلى جانب الباطل، ولا خفاء في أنها ليست ثابتة لكل واحد من الأمة، فيتعين المجموع. (تلويح).
(*) لعل المراد أنه قد عم كل فرد على جهة الشمول، فإذا نفي عن واحد فقد نفي عن الكل، أي: الكل المجموعي، والمعنى أنها تنتفي كلية العموم لخروج هذا الواحد عنها، فلا يصدق أنه عم كل فرد لذلك، يعني خروج الواحد، والله أعلم.