هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الكلام في إجماع العترة]

صفحة 123 - الجزء 2

  الدليل الثاني من الكتاب العزيز قوله تعالى: ({قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ) عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}⁣[الشورى: ٢٣]، دلت الآية على أن مودتهم طاعة، بل واجبة، فيكونون على الحق، وإلا حرمت مودتهم؛ لقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}⁣[المجادلة: ٢٢] وغيرها، وكونهم على الحق يقتضي وجوب متابعتهم؛ لعدم الواسطة بين الحق والضلال، بدليل قوله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}⁣[يونس: ٣٢]، والمراد بالقربى أهل البيت؛ لما رواه في شواهد التنزيل بالإسناد إلى علي # قال: «فينا آل محمد آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن، ثم قرأ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}».

  وما رواه المرشد بالله # في أماليه بالإسناد من طريقين إلى ابن عباس قال: لما نزلت: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قالوا: يا رسول الله، ومن قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: «علي وفاطمة وابناهما»، وذكره في الكشاف في تفسير هذه الآية.

  وفي كتاب شواهد التنزيل مسنداً من نحو ثمان طرق إلى ابن عباس ¥. وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده، والثعلبي في تفسيره، وابن المغازلي الشافعي في مناقبه، وغيرهم، والأحاديث القاضية بوجوب مودة أهل البيت كثيرة جداً تركناها اختصاراً واستغناء بما يفيد المطلوب من الأدلة.

  وأما السنة فقوله ÷: («إني تارك فيكم الثقلين⁣(⁣١)) ما إن تمسكتم بهما


(قوله): «قل لا أسألكم عليه أجراً ... إلى قوله: فيكونون على الحق» يعني فلا يقولون ولا يفعلون إلا ما كان حقاً، لكن دلالة الآية على هذا غير مسلمة؛ فإنها إنما تدل على أنهم لا يصدر منهم ما يذمون ويعاقبون عليه، وأما صدور الخطأ منهم فلا دلالة فيها عليه، وهو مناط الحجية، والله أعلم.


(١) سماهما ثقلين لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس: ثقيل، فسماهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما. وقوله ÷: الثقلين مفعول لتارك، وقوله: (ما) اسم موصول، وما بعده - أعني جملة الشرط والجواب - صلته، وهو بدل من قوله (الثقلين)، أي: اللذين إن تمسكتم بهما لن تضلوا، ولكنه أفرد الضمير وهو به للفظ (ما)، أو صفة، =