هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الكلام فيما اتفق عليه أهل المدينة من الصحابة والتابعين]

صفحة 143 - الجزء 2

  متمسك غيرهم أرجح؛ فرب راجح لم يطلع عليه البعض، (وإن سلم لزم في كل جمع كذلك⁣(⁣١)) أي: كجمع المدينة (إذ لا أثر للْأَطْلال) ومالك⁣(⁣٢) لا يقول به وإن قال به غيره، كما حكى الآمدي وغيره عن بعض القول بأن إجماع أهل الحرمين مكة والمدينة والمصرين البصرة والكوفة حجة على غيرهم، وقيل: بل إجماع البصرة والكوفة فقط، حكاه الشيخ أبو إسحاق في اللمع، وقيل: إجماع الكوفة⁣(⁣٣) وحدها كما نقل عن حكاية ابن حزم، وقيل: إجماع الكوفة وحدها والبصرة وحدها كما نقله بعض شراح المحصول.

  ويلزم أيضاً أن لا يعتد بخلاف أكابر علماء الصحابة الذين كانوا خارجين عنها، كمن كان منهم في الكوفة مع علي # وفي البصرة وفي الشام وفي المدائن وفي غيرها⁣(⁣٤)، وبطلانه معلوم.


(قوله): «ومالك لا يقول به» أي: باللزوم في كل جمع كذلك.

(قوله): «ويلزم» عطف على قوله سابقاً: لزم في كل جمع.


(١) فيه ما لا يخفى على العارف.

(٢) الذي قرره المحقق العضد وتبعه شراح كلامه صريح في أن مالكاً ¦ لا يمنع لزوم ذلك في كل جمع اتفق فيه ما اتفق في جمع المدينة، لكن لم يتفق في غير المدينة ما افتق فيها من إجماع الجمع الكثير من العلماء المنحصرين الأحقين بالاجتهاد. وأرادوا بانحصارهم اجتماعهم في المدينة وقلة غيبتهم عنها، حتى لو اتفق عدتهم أو أكثر متفرقين في البلاد أو مختلطين بمن خالفهم أو غائبين عن بلدهم لم يعتبروا، ولم تقض العادة باطلاعهم على الراجح. واحترزوا بقولهم: الأحقين بالاجتهاد عن منحصرين في موضع آخر لا يكون مهبطاً للوحي، وأهله غير واقفين على وجوه الأدلة من قول الرسول ÷ وفعله وفعل أصحابه في زمانه ووجوه الترجيح، فإنه لا شك في أن أهل المدينة كانوا أعرف بذلك، فحينئذ تجويز كون متمسك غيرهم أرجح من متمسكهم لا يخفى بعده، والله أعلم. والحاصل أن كل واحد من المذكورات مانع من المباحثة والمذاكرة بينهم وإظهار الحق، أما التفرق فظاهر، وأما الغربة فبسبب اشتغالهم بمشقة الغربة وبسبب الخوف من المخالفين، وأما الاختلاط فللوجهين الآخرين، مع أن في الاختلاط بالمخالف قد تضيع الفطرة الصحيحة التي فطر عليها الإنسان، فلا وثوق بإجماعهم حينئذ.

(٣) في المطبوع: أهل الكوفة.

(٤) كان في الكوفة ابن مسعود وعلي # والحسنان وابن عباس ¤ أولاً، وبالشام أبو الدرداء وبلال وعبدالله بن عمر وعبدالله بن أنيس وغيرهم، وبالبصرة عمران بن الحصين وأنس آخراً ومعقل بن يسار وغيرهم، وبحمص أبو أمامة الباهلي. (من خط العلامة الجنداري).