[الكلام فيمن يعتبر في الإجماع ومن لا يعتبر، وما يشترط فيه وما لا يشترط]
  والعلم بتفاصيل الأحكام لا يُفِيْدَان المطلوب؛ لوجوب التقليد على الأصولي والفروعي، والتقليد اتباع قول المجتهدين، فمخالف قولهم عاص لا يعتبر.
  وقد احتج أبو الحسين البصري على ما ذهبنا إليه(١) بقوله: إن الأمة إنما يكون قولها حجة إذا قالته بالاستدلال؛ لأنه لا يجوز أن تحكم بغير دليل، فهي إنما عصمت عن الخطأ في استدلالها، والعامة ليست من أهل النظر والاستدلال على الحوادث فتعصم فيه(٢).
  الطرف الخامس: النظر في اعتبار كافر التأويل وفاسقه كالخوارج، فنقول: (وفي المتأول(٣)) أربعة أقوال: الأول: (الاعتبار) لكافر التأويل وفاسقه معاً،
(قوله): «والعلم بتفاصيل الأحكام» إشارة إلى شبهة القائل بأنه يعتبر الفروعي، وذلك أنه استدل بأن الفروعي عالم بتفاصيل الأحكام دون الأصولي. وقد نقل هاهنا كلام في ترجيح الفروعي أظنه للسيد العلامة المفتي ¦ لفظه: هذا أحسن، وإلا خرج كثيرون من الصحابة، فإنه رجع إلى من هو كذلك منهم واعتبر إجماعه.
و (قوله): «لا يفيدان» إشارة إلى جواب هاتين الشبهتين.
(قوله): «وفي المتأول أربعة أقوال» لم يذكر خلافاً في المصرح من كافر وفاسق، أما الكافر فلأنه لا يعتبر إجماعاً؛ لأنه ليس من الأمة، وأما الفاسق فظاهر الفصول أنه لا يعتبر أيضاً إجماعاً؛ لأنه قال: ولا يعتبر فاسق التصريح وكافره إجماعاً، فاعتمد المؤلف # ما في الفصول بناء على أن قوله: «إجماعاً» قيد للكافر والفاسق. وفي بعض شروحه أنه قيد للكافر فقط.
ويؤيده ما ذكره في القسطاس من أن ظاهر إطلاق الخلاف يقضي بأنه يعتبر كل مصدق مجاهراً كان أو متأولاً. لكن سيأتي في فاسق التأويل أنه يعتبر؛ لأن الفسق لا يخرجه عن مسمى الأمة، فيلزم مثله في فاسق التصريح، اللهم إلا أن يقال: منع من اعتبار هذه العلة فيه الإجماع على أنه لا يعتبر إن صح الإجماع، وقد عرفت ما في القسطاس من منع الإجماع، ومثله في شرح الفصول.
(١) أي: لمذهبنا الذي ذهبنا إليه.
(٢) أي: فيكون لها عصمة فيه؛ لأنه لا نظر لها ولا استدلال فلا تعصم؛ لأنه لم يوجد الأمر الذي تعصم فيه، فلا توجد العصمة لعدم محلها، والله أعلم.
(٣) والقائلون بالإجماع أجمعوا أن لا عبرة بالخارج عن ملة الإسلام وإن كان عارفاً باستنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية؛ إذ لا يتناوله المؤمن والأمة، وكذا لا تتناوله الأدلة العقلية؛ لأن الإجماع على القطع بتخطئة مخالف الإجماع إنما هو على القطع بتخطئة مخالف الإجماع المفسر بذلك التفسير.