[الكلام فيمن يعتبر في الإجماع ومن لا يعتبر، وما يشترط فيه وما لا يشترط]
  بثبوت(١) المحمول للموضوع ما دام وصف الموضوع، وقد وقع الإجماع على أن ما لا قاطع فيه يجوز فيه الاجتهاد لكن لا مطلقاً بل ما دام لا قاطع فيه، ولما وقع الإجماع الثاني زال وصف الموضوع، وهو كونه لا قاطع فيه، والحكم(٢) مشروط به، فيزول بزواله.
  الطرف السابع: في الخلاف في عدد التواتر هل يشترط في الإجماع أم لا؟
  (و) المختار وعليه الأكثرون: أنه (لا يشترط عدد التواتر؛ للدليل) فإنه يتناول الأقل من عدد التواتر لكونهم كل الأمة والمؤمنين، واشترطه الجويني ومن وافقه؛ لاستدلالهم على حجية الإجماع بالعقل، وهو(٣) أنه لو لم يكن عن قاطع لما حصل عادة، فلا بد لهم من القول بعدد التواتر(٤)؛ لأن انتفاء حكم العادة في غيره مشاهد ظاهر.
(قوله): «ما دام وصف الموضوع» قال في شرح المختصر: وأكثر القضايا العرفية سيما السوالب تفيد ذلك وإن لم يصرح به، فإذا قلت: لا شيء من النائم بيقظان فهم منه ما دام نائماً.
(قوله): «الأقل من عدد التواتر» تأويل الجمع بين اللام ومن معروف. وهذه العبارة تقتضي أن يكون المعنى أن دليل الإجماع تناول أقل عدد التواتر، وليس هذا مقصوداً هنا، بل المراد ما يحصل العلم الضروري عند إخبارهم بأمر مشاهد لا عدداً معيناً[١] محصوراً.
(قوله): «لاستدلالهم ... إلخ» لا يقال: إن ابن الحاجب قد استدل بدليل العقل أيضاً - وقد نقلناه فيما سبق - مع أنه لا يشترط عدد التواتر في الإجماع؛ لأنا نقول: ليس المراد استدلالهم بالعقل مطلقاً بأي تقرير حتى يرد ذلك، بل بتقرير خاص هو تقرير الجويني لدليل العقل، وهو ما ذكره عنه المؤلف # بقوله: لو لم يكن عن قاطع لما حصل - أي: الإجماع - عادة ... إلخ، فهذا التقرير يلزم منه ذلك. وتوضيح المقام: أن من استدل بدليل العقل وقرره بأن الجمع الكثير لا يتصور تواطؤهم على الخطأ وهو الجويني وغيره فلا بد من اشتراط ذلك عنده؛ لتصور الخطأ على من دون عدد التواتر. ومن جعل الدليل العقلي - وهو ابن الحاجب - أن أهل الحل والعقد قد اتفقوا على القطع بتخطئة المخالف، والعادة تحيل اتفاقهم على ذلك من غير قاطع، فيلزم قطعية خطأ المخالف وحقية ما عليه الإجماع، ودليل آخر أنهم قد اتفقوا على تقديمه على القاطع، وعلى أن غير القاطع لا يقدم على القاطع - لم يختص الإجماع عنده بعدد التواتر، ذكر معناه السعد، وقد نقلنا تقرير استدلال ابن الحاجب بدليل العقل فيما سبق.
(قوله): «لأن انتفاء حكم العادة في غيره» أي: في غير عدد التواتر «مشاهد ... إلخ» يعني أن العادة لا تحكم بأن اتفاق ما دون التواتر لا يكون إلا عن قاطع.
(١) بدوام ثبوت. (شرح شمسية).
(٢) أي: جواز الاجتهاد.
(٣) أي: دليل العقل.
(٤) وليس المراد بعدد التواتر عدداً معيناً محصوراً، بل ما يحصل العلم الضروري، كذا في السعد ... إلخ سيلان.
[١] لا عدد معين محصور، كذا ظنن عليه في بعض النسخ، وهو أولى.