هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الكلام في مستند الإجماع]

صفحة 193 - الجزء 2

  القطعي مع طلبهم لما يدل على الحكم، ولو فرض ظهور ظني لهم مفيد لذلك الحكم لم يجز أن يكون صارفاً لدعاء القطعي إياهم إلى الحكم به والاتفاق عليه. وأيضاً الاتفاق على الظني دون القطعي محال عادة. وهذا قول أئمتنا $ والجمهور، منهم أبو هاشم وأبو الحسين البصري، وحكى في الفصول الاتفاق على ذلك، وقال القاضي عبدالوهاب المالكي في ملخصه: إن كان الخبر متواتراً فلا خلاف في وجوب استناده إليه.

  قال أبو طالب #: وقد ذكره شيخنا أبو عبدالله البصري، إلا أنه يقول: إن الخبر إن كان من أخبار الآحاد في هذا الوقت فإنه يجب أن يقطع على أنه مما قامت به الحجة في الأصل. قال: وقد بينا مذهبه في هذا الباب، وهو أنه يقول: إن عادة الصحابة جارية بأنها كانت لا تتفق على مخبر الخبر إذا كان من أخبار الآحاد، وإنما كانت تتفق عليه إذا كان الخبرُ الوارد فيه طريقه العلم دون الظن.

  وقال البيضاوي: لا يجب أن يكون صادراً عنه؛ لجواز اجتماع دليلين على مدلول واحد.


(قوله): «وأبو الحسين» لم يذكر في الفصول ولا في المنهاج قولاً لأبي الحسين، وهو مقتضى ما عرفت من المنقول عنه.

(قوله): «وقال القاضي عبدالوهاب: إن كان الخبر متواتراً ... إلخ» لم يذكر مقابله، وهو الآحادي؛ لأنه سيأتي في شرح قوله: «وإلا فهو محتمل» ذكر حكم الآحادي عند القاضي عبدالوهاب. واعلم أن عطف كلام عبدالوهاب على ما سبق يقتضي مقابلته له، وليس كذلك؛ إذ المتواتر من قسم القطعي، إلا أن يكون المراد أن متنه متواتر مع ظنية دلالته استقامت المقابلة، ولعل المؤلف # لم يقصد بالعطف المقابلة لما سبق، بل أورده تأييداً لما حكى في الفصول من الاتفاق.

(قوله): «مما قامت به الحجة» أي: مما حصل به الاحتجاج.

(قوله): «في الأصل» أي: في عصر المجمعين؛ لكونه متواتراً عندهم.

(قوله): «وقد بينا مذهبه» أي: قد بين أبو طالب # مذهب أبي عبدالله. وقوله: «في هذا الباب» أي: في الكلام على مستند الإجماع.

(قوله): «وهو أنه» أي: أبا عبدالله «يقول: إن عادة الصحابة جارية ... إلخ» قد سبق أن هذا يدل على أن مذهب أبي عبدالله عدم صحة كون مستند الإجماع من أخبار الآحاد.

(قوله): «طريقه العلم» كالمتواتر.

(قوله): «وقال البيضاوي» هذا مقابل لما سبق من أنه إن كان قطعياً فهو السند قطعاً.

(قوله): «لجواز اجتماع دليلين ... إلخ» فيكون مستند الإجماع دليلاً غير ما ذكر، وقد ذكر أبو الحسين ما هو أوفى حيث قال: إنه وإن تواتر إلينا خبر صريح فيما أجمعوا عليه فإنه لا يمنع من تجويز كونهم أجمعوا لخبر آخر متواتر إليهم قبل هذا الخبر، ثم استغنوا بنقل الإجماع عن نقل ذلك الخبر، قال: إلا أن يتواتر إلينا أنهم نصوا على أنهم أجمعوا لأجله أو أنهم كانوا متنازعين أو متوقفين حتى روي لهم الخبر فارتفع النزاع والتوقف لأجله وعملوا بموجبه قطعنا بذلك. قال الإمام المهدي: قلت: وكلامه قوي.