[الكلام فيما إذا اختلف المجتهدون على قولين هل يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث]
  احتج القائل بالجواز مطلقاً: أما أولاً: فبأن اختلافهم دليل على أن المسألة اجتهادية يجوز فيها العمل بما يؤدي إليه الاجتهاد، فكيف يكون مانعاً منه؟ وهذا معنى قوله: (قيل: الاختلاف يشهد بالجواز، قلنا: لا اختلاف في الممنوع) لأن ما قلنا فيه بالمنع هو ما اتفقوا عليه ويرفعه القول الثالث، كالاتفاق على عدم الرد مجاناً فإنهم لم يختلفوا فيه، فلا يكون اجتهادياً.
  وأما ثانياً: فبأنه لو كان الثالث باطلاً لأُنكِر إذ(١) وقع، لكنه لم ينكر، أما الأولى فللأمر بالنهي عن المنكر، والسلف لا يتفقون على مخالفة الأمر، وأما الثانية فلأن الصحابة اختلفوا في زوج وأبوين وزوجة وأبوين، فقال ابن عباس ®: للأم ثلث الأصل قبل فرض الزوج والزوجة، وقال الباقون: للأم ثلث الباقي بعد فرضهما، وأحدث التابعون قولاً ثالثاً، فقال ابن سيرين بقول ابن عباس في زوجة وأبوين دون زوج وأبوين، ولم ينكر عليه أحد(٢)، وإلا لنقل.
  (و) الجواب: أن (ما وقع من التابعين) من إحداث ما لم يقل به الصحابة (إن رفع) مذاهبهم (فمحمول على أنه) وقع وقت الاختلاف منهم والنظر في
(قوله): «في الممنوع» أي: فيما حكمنا بمنعه، وهو الذي يرفع القولين.
(قوله): «ويرفعه القول الثالث» عطف على «اتفقوا عليه»، فهو من جملة الموصول، ويحتمل أنه حال.
(قوله): «كالاتفاق على عدم الرد» مثال لما اتفقوا عليه.
(قوله): «على عدم الرد مجاناً» فإنه يرفعه الرد مجاناً.
(قوله): «لكنه لم ينكر» وإلا لنقل؛ لتوفر الدواعي على نقله.
(قوله): «دون زوج وأبوين» لأنه لو كان لها ثلث الأصل في زوج وأبوين لأخذت أكثر من الأب.
(قوله): «إن رفع» كمسألة الرد مجاناً.
(١) في المطبوع ومخطوطة: إذا.
(٢) في العضد والجلال على المختصر: فقال ابن سيرين في مسألة الزوج بقول ابن عباس: لها ثلث الأصل وإن فضلت على الأب، وفي مسألة الزوجة بقول الصحابة: لها ثلث الباقي. وعكس تابعي آخر الحكم فيهما، فقال في مسألة زوج: ثلث ما بقي؛ لئلا تفضل على الأب، وفي مسألة زوجة: ثلث الأصل؛ لأنها لا تفضل فيها عليه، ولم ينكر عليهما[١] أحد، وإلا لنقل.
[١] في المطبوع: عليه. والمثبت من العضد.